عبدالله الأيوبي
شهدت الجلسة الأخيرة لمجلس الشورى يوم الثلاثاء الماضي خلافا وجدلا في غاية الأهمية تمركزا حول طلب «إلغاء الحد الأقصى لتقاعد النواب والشوريين المحدد بأربعة آلاف دينار وإعطاء الحق لأعضاء المجلسين ممن لم يكملوا أربع سنوات في شراء سنوات للاستفادة من التقاعد» كانت نتيجة ذلك أن صوت المجلس بإحالة القانون إلى مجلس النواب، ولن يحتاج المرء إلى التفكير في مصير مشروع هذا القانون بعد وصوله إلى مجلس النواب؛ فالقضية تتعلق بقانون يرفع من دخل الجيوب من الدنانير والجميع يعلم أن هناك ارتباطا شرطيا بين ارتفاع حجم الدخل من الدنانير ونسبة سيلان اللعاب، فمن المؤكد أن مشروع هذا القانون لن يستغرق جهدا من أولئك الأعضاء ولن تكون مدة خضوعه للنقاش والإقرار أطول من المدة التي احتاجها مشروع قانون الرواتب التقاعدية الذي يسرح ويمرح تحت مظلته الوفيرة الشوريون والنواب.
للإنصاف وقبل الولوج في صلب هذه القضية وطرحها أمام الرأي العام ليعرف حقيقة الحديث حول «الدفاع» عن المال العام و«التصدي» لهدره في غير المكان الذي يجب أن يذهب إليه، لا بد هنا من الإشارة إلى الموقف الإيجابي الجريء للنائب الأول لرئيس المجلس العضو جمال فخرو الذي قال بعبارة لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل «إن هناك موظفين يعملون أربعين سنة وقد حدد لهم القانون ثمانين بالمائة كحد أقصى للمعاش التقاعدي ونحن نعمل ثماني سنوات ونحصل على ثمانين بالمائة فكيف نريد الزيادة الآن؟» مضيفا أن «المزايا المقدمة للسلطة التشريعية مبالغ فيها»، «وأن أعضاء اللجنة المالية خرجوا عن حياديتهم وكتبوا تقريرا راعوا فيه المصالح الشخصية».
في هذه المصالح يكمن بيت القصيد، وكثيرة هي السهام التي وجهها العضو فخرو في موقفه الرافض لطلب إلغاء الحد الأقصى للرواتب التقاعدية لأعضاء السلطة «التشريعية» وربما أكثرها دقة ذلك الذي أصاب كبد «المصالح الشخصية»، فهذه المصالح هي التي دفعت بالمجلسين في وقت سابق إلى سلق مشروع قانون الرواتب التقاعدية للنواب وإقراره بالصيغة التي هو عليها الآن أي بالنسبة التي تحدث عنها فخرو، وهي خمسون بالمائة لمن أكمل أربع سنوات وثمانون بالمائة لمن يقضي ثماني سنوات بحد أقصى يصل إلى أربعة آلاف دينار، وهو السقف الذي أزعج أعضاء شوريين فطالبوا بإزالته.
لكن مهما حاول مناصرو إلغاء سقف الراتب التقاعدي ومهما تعللوا بالحجج والثغرات «القانونية»، فإن فخرو وضع النقاط على حروف كلمات الجملة المحددة وهي المصالح الشخصية دون سواها، فمثل هذا القانون الذي سيقره أشقاؤهم في النواب دون تردد، لا يفيد ولا يخدم الشريحة الواسعة من المواطنين الذين يدعي النواب والشوريون أنهم يمثلونهم في مواجهة السلطة التنفيذية وأنهم، أي أعضاء السلطتين، يمثلون «الحراس» الساهرين على مصالح المواطنين و«المدافعين» عن المال العام في وجه الإهدار غير المبرر وغير المشروع من جانب بعض الجهات في السلطة التنفيذية، أما أن يذهب جزء كبير جدا من المال العام لتلبية مصالح ومنافع أعضاء المجلسين، فليس في ذلك أي إهدار للمال العام ولا مساس بمصالح وحقوق المواطنين.!
ثم إن طلب إضافة مزايا جديدة لأعضاء السلطة التشريعية يأتي في الوقت الذي تترنح فيه الغالبية العظمى من فئة المتقاعدين من تدني الرواتب التقاعدية التي لا تفي إلا بالجزء اليسير جدا من الاحتياجات الضرورية لهذه الفئة التي خدم أفرادها مددا متفاوتة تصل بالنسبة إلى الكثير منهم إلى أربعين عاما، أي بعد أن عصروا جل طاقتهم في الخدمة يعيشون ما تبقى من أعمارهم تحت سقف ووطأة الحاجة والعوز ومناشدة مستمرة لتحسين أوضاعهم في حين يأتي من يفترض منه أن يحمل لواء هذه المناشدة ويستخدم أدواته الدستورية والقانونية لتحسين أوضاع هذه الفئة ليجاهد من أجل نفسه دون سواها.!
ما فجّره العضو جمال فخرو من موقف في مواجهة ما يمكن وصفه بالجشع والأنانية المفرطة، يؤكد ما ذهبت إليه العديد من المواقف الناقدة لدور أعضاء السلطة «التشريعية» وفي مقدمتهم المنتخبين الذين هم الآن مطالبون بأن يتخلوا عن جزء من أنانيتهم ويعرقلوا ما توصل إليه بعض أشقائهم الشوريين بشأن رفع سقف الراتب التقاعدي، لكن الشك يساورني بقوة في أن يقف الأعضاء المنتخبون مثل هذا الموقف وهم الذين شاركوا بقوة في سلق مشروع قانون الراتب التقاعدي، وأتمنى أن تكون شكوكي في غير مكانها، لكن تجربة «لن نمرر الميزانية دون زيادة الرواتب» تجعل مثل هذه الشكوك واقعا مؤكدا، وفي الميدان يثبت حميدان مدى مصداقية مواقفه.
جريدة اخبار الخليج – العدد ١٣١١٩ – يوم السبت الموافق ٢٢ فبراير ٢٠١٤