تتساءل: لماذا لا يتم توظيفهم؟
بقلم: أ.سلمان عبدالله سالم
تُطالعنا سنوياً قصة أسر بحرينية بذلت الغالي والنفيس، وأنفقت عشرات الآلاف من الدنانير لتعليم أبنائها وبناتها الطب، أملاً في أن يخدموا وطنهم في القطاع الصحي. لم يكن هذا المسعى سهلاً، فقد تحمّلت هذه الأسر الكثير من العناء، بما في ذلك ضغوط الديون والقروض، حتى قيل إنها “حفرت في الصخر” لتحقيق أمل أبنائها. لقد حرمت نفسها من الكثير من الاحتياجات الأساسية، و”ربطت على بطونها الحجر” في سبيل هذا الهدف النبيل. كل هذه التضحيات كانت تهون أمام طموح أبنائهم الدراسي ومساهمتهم المتوقعة في إنجاح مشروع بحرنة الوظائف المعلن عنه رسمياً.
– صدمة البطالة بعد التخرج
مع كل عام يزداد فيه نجاح وتفوق هؤلاء الأبناء، كان الأمل ينمو في قلوب الأسر. وفي يوم تخرجهم، لم تسعهم الفرحة والابتهاج بقطف ثمار جهودهم. لكن المفاجأة كانت صادمة ومؤلمة: فمعظم أبنائهم الأطباء لم يُوظفوا ليقوموا بواجبهم تجاه وطنهم الذي عشقوه. والأكثر إيلاماً هو أن الفئة التي حالفها الحظ وعملت سابقاً في القطاع الصحي الحكومي، لم تكن لتتخيل أنها قد تعود يوماً إلى صفوف الأطباء العاطلين عن العمل، حتى وإن حققت تميزاً باهراً في أدائها.
– هدر للثروة البشرية وتداعياته
إن هذا الواقع المؤلم، الذي يطال هذه الفئة وغيرها من الكفاءات الوطنية، لا يخدم الوطن ولا يسهم في تنميته على المدى الطويل. كان المأمول من الحكومة أن لا تفرّط في هذه الثروة البشرية، بل أن تعمل على تنمية قدراتهم الطبية ورفع مهاراتهم من خلال برامج تدريبية متقدمة، لتبوئهم مكانة عالية في مجالات تخصصهم، بما يضمن استثماراً حقيقياً في مستقبل الرعاية الصحية في البحرين.
ويزداد الأمر تعقيداً عند النظر في سياسة جلب الأطباء الأجانب في ظل وجود كفاءات طبية بحرينية معطلة أو حتى مغادرة للوطن. هذا التوجه يتطلب دراسة جادة ومتعمقة لأبعاده وتداعياته. ألم تلاحظ الجهات المعنية في البلاد أن عشرات الأطباء الاستشاريين البحرينيين، ممن يمتلكون خبرات واسعة في تخصصاتهم، قد تركوا العمل بمركز السلمانية الطبي، وهو أكبر مستشفى حكومي في البلاد؟ هذا العدد الكبير من الاستقالات الذي قدره أحدهم بما يقارب 45 استشارياً من مختلف التخصصات الطبية، وقد وصف هذه الظاهرة المؤذية للوطن بأنها “عملية تطفيش للكوادر الطبية البحرينية”. ألا يثير هذا الأمر تساؤلات وعلامات استفهام كبرى حول الأسباب المؤدية لحدوث هذه الاستقالات الجماعية إن صح التعبير؟ والأهم، ألم تدرك وزارة الصحة أن انعكاسات تركهم للعمل يؤثر سلباً بشكل مباشر على المرضى وجودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين والوافدين والمقيمين؟
– ضرورة وضع استراتيجية وطنية شاملة
إن هذا التعامل السلبي مع الأطباء الخريجين البحرينيين في نهاية كل عام دراسي، ومع الأطباء ذوي الخبرة الذين يختارون المغادرة على البقاء في العمل، ليس في صالح القطاع الصحي الوطني بأي شكل من الأشكال. لذا، أصبح لزاماً وضرورياً وضع استراتيجية واضحة وشاملة للاستفادة القصوى من الكوادر الطبية البحرينية، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي في هذا المجال وغيره من التخصصات الحيوية. هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق البحرنة الحقيقية في القطاعين العام والخاص، وضمان مستقبل صحي مزدهر لأبناء البحرين.