مع نهاية كل عام دراسي، يتجدد التساؤل حول مستقبل مئات الخريجين الجامعيين البحرينيين، من حملة الشهادات الأكاديمية والمهنية من جامعات محلية ودولية مرموقة. هؤلاء الشباب، الذين أمضوا سنوات في الدراسة ويحملون آمالاً عريضة في خدمة وطنهم، ويستندون إلى حقهم الدستوري في العمل بمجالات تخصصاتهم، يجدون أنفسهم أمام واقع محبط. فبدلاً من أن تستثمر طاقاتهم الكامنة بالشكل الأمثل، تواجههم تحديات جمة في سوق العمل.
يجد هؤلاء الخريجون أنفسهم في دوامة من الانتظار المرير، الذي يمتد لسنوات، مما يؤدي إلى شعور عميق بالإحباط واليأس، وفي كثير من الأحيان، الاكتئاب نتيجة لغياب التقدير من الجهات المسؤولة. فبدلاً من أن تُتاح لهم فرص عمل تتناسب مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم العلمية، يُعرض عليهم وظائف لا تتوافق مع طموحاتهم أو يتم إدراجهم في برامج تدريبية لا علاقة لها بمجالات دراستهم. وحتى من ينجح في النجاة من فخ البطالة، غالباً ما يضطر للعمل في وظائف متواضعة لا تستثمر قدراته، كالوظائف في المجمعات التجارية والأسواق الكبرى.
إن ما يعانيه الشباب البحريني من بطالة يمثل نزيفاً حقيقياً للطاقات البشرية الوطنية، ويؤثر سلباً على التنمية الشاملة للوطن. فمن غير المقبول أن تُهمش الكفاءات الوطنية بينما تُستقدم العمالة الأجنبية لشغل وظائف متاحة في القطاعين العام والخاص.
مسؤولية الجهات المعنية والحلول المقترحة
إن معالجة هذه القضية تقع بالدرجة الأولى على عاتق وزارة العمل وديوان الخدمة المدنية، فكلاهما يمتلكان الأدوات والصلاحيات اللازمة لمعالجة هذه المشكلة المستمرة التي تواجه شباب الوطن. إن تحقيق ذلك ليس ضرباً من الخيال، بل هو أمر واقعي وممكن إذا ما تعاملت الجهات المعنية بجدية وإصرار مع هذا الملف الحيوي.
إن الحلول لهذه المعضلة متوفرة وقابلة للتطبيق، ويمكن تلخيص أبرزها في النقاط التالية:
أولا : تبني استراتيجية وطنية شاملة للتوظيف: تقتضي هذه الاستراتيجية ربطاً وثيقاً ومستمراً بين مخرجات التعليم الجامعي واحتياجات سوق العمل البحريني، مع التركيز على تحديد التخصصات المستقبلية المطلوبة.
ثانيا : تفعيل وتطوير آليات التوظيف في وزارة العمل وديوان الخدمة المدنية: يتطلب ذلك إعادة تقييم شاملة للآليات الحالية، وتطويرها لضمان كفاءة وشفافية أعلى، مع إعطاء الأولوية القصوى للكوادر الوطنية المؤهلة.
ثالثا: تحفيز القطاع الخاص لتوظيف البحرينيين وتعزيز “البحرنة”: يجب تقديم حوافز مجزية للشركات التي توظف وتدرب الكفاءات الوطنية، وتبسيط الإجراءات الحكومية، مع تطبيق آليات رقابية صارمة لضمان الالتزام بسياسات “البحرنة” المستهدفة.
رابعا: توفير برامج تدريب وتأهيل نوعية ومتخصصة: تهدف هذه البرامج إلى سد الفجوة بين المعارف الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل المتغيرة، وتزويد الخريجين بالمهارات المهنية والعملية الضرورية.
خامسا: دعم وتمكين رواد الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة : يجب تشجيع الشباب على تأسيس مشاريعهم الخاصة من خلال توفير الدعم المالي، الإرشادي، والتسهيلات اللازمة، مما يسهم في توليد فرص عمل جديدة وتنويع مصادر الدخل الوطني.
سادسا: إعادة تقييم شاملة لسياسات استقدام العمالة الوافدة: يجب أن يتم التأكد من عدم توفر الكفاءات البحرينية المؤهلة لشغل الوظائف الشاغرة قبل اللجوء إلى خيار الاستقدام الخارجي، ووضع معايير صارمة لذلك.
إن معالجة قضية بطالة الخريجين ليست مجرد واجب أخلاقي واجتماعي، بل هي ضرورة وطنية قصوى لضمان مستقبل مستقر ومزدهر لمملكة البحرين. فاستثمار طاقات الشباب هو استثمار استراتيجي في بناء الوطن وتقدمه في كافة الأبعاد: الاقتصادية، الاجتماعية، والتعليمية، وغيرها. نشرة عمال البحرين رقم 131
https://short-link.me/1c2gy