مجدداً ها نحن نعود مع الأول من مايو، محمّلين بهموم عامٍ مضى، وأمال عامٍ سيأتي، لا نعرف لليأس طريقاً ولا للتراجع مكاناً. حجزنا مواطيء أقدامنا في آفاق الغد. نمشي على آثار من سشبقونا في بناء هذه الحركة النقابية وتأسيسها، ونجدد حيث يجب في الطرق والوسائل والأهداف، مع وفائنا للثوابت والمنطلقات الأصيلة. وكلما فترتْ لنا عزيمةٌ أو خفّ لنا حماسٌ أو تردد لنا إقدامٌ، جاء الأول من مايو بشعلته العظيمة ليشحذ هممنا بروحه الخضراء، وحضرت أرواح وذكريات من غادرونا، تمنحنا جذوة العمل النقابي التي لا تنطفيئ. العمل الذي نستمد ديمومته من ملايين العمال في العالم اليوم وكل يوم، وهم يفتحون بعقهم الزكي، وإنتاجهم بالساعد والفكر، نوافذ يطل منها كوبكنا على إشراقة الغد. نقف في هذه اللحظة على منابر الأول من مايو في كل بقاع الأرض، لنحني رؤوسنا إجلالا لكفاح العمال في كل مكان، العمال الذين لولا جهدهم لما أضاءت مصابيح العتمة، ولما ارتفع شاهق البناء، ولما أزهرت عطور الكون، متذكرين قول أمير الشعراء:
أيها العمال أفنوا العمر كداً واكتسابا / واعمروا الأرضَ فلولا كدكمْ أمستْ يبابا
إنه ليوم سعيد أن ألتقي بوجوهكم الطيبة في هذه المناسبة العزيزة على قلوب الجميع ، وهو يوم العمال العالمي .
واستهل كلمتي هذه بتهنئة راعي نهضة البحرين الحديثة وقائد مسيرتها جلالة الملك المفدى حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه شاكرين له رعايته الكريمة لهذا الحفل. واهنيء شركاء الإنتاج والحوار الاجتاعي ، الحكومة ممثلة بسعادة الوزير نائب راعي الحفل وأصحاب عمل ممثلين بغرفة تجارة وصناعة البحرين، يمثلهم سعادة النائب الأول لرئيس الغرفة السيد خالد الزياني.
كما وأهنيء زملائي وزميلاتي في الدرب النقابي من النقابيين والنقابيات وعمال البحرين أجمع وأخص المكرمين اليوم بالتهنئة لاختيارهم للتكريم من قبل جهات عملهم تقديرا لجهودهم واخلاصهم بعملهم.
وأقف بهذه المناسبة على عدد من الموضوعات حيث اعتدنا ان نجعل من الأول من مايو جردة حساب لما مضى و استشرافا لما سياتي.
أولا: شكر وتحية:
انتهز هذه الفرصة لأ شكر لأعضاء مؤتمرنا العام الثالث الذي عقد الفترة من 5-7 مارس 2016 ثقتهم في أعضاء الأمانة العامة، وهي الثقة الغالية التي ستكون محل تقديرنا واعتزازنا دائما، ونعمل في أمانتنا العامة على أن نصون هذه العهدة التي تسلمناها من أجيال سبقتنا في النضال من أجل أن يصبح الحلم النقابي حقيقة واقعة. ولا أنسى في هذه اللحظة ان أشكر أعضاء الأمانة العامة السابقة ، بدءا بأخي وصديقي النقابي العتيد السيد سلمان المحفوظ ونائبه الأخ إبراهيم حمد والإخوة محمد عبد الرحمن وعبد الله حسين وسيد فلاح هاشم وسيد هاشم سيد سلمان و محمد مهدي ، فتحية لهم منا جميعا إخوة نقابيين ومناضلين أعزاء.
ثانيا: مسيرة الأول من مايو:
للعام الثاني على التوالي، لا يحالفنا الحظ في الحصول على ترخيص لمسيرة الأول من مايوـ تلك المسيرة التي استمرت منذ عام 2002 حيث كانت أولى المسيرات في 1 مايو من ذلك العام قبيل إصدار جلالة عاهل البلاد قانون اعتبار الأول من مايو يوم العمال العالمي عطلة رسمية بشهور، وذلك بمرسوم رقم 43 لسنة 2002 وقانون النقابات العمالية بمرسوم رقم 33 لسنة 2002 الصادرين في شهر أكتوبر من ذلك العام. ومنذ ذلك الحين وقد كانت مسيرة الأول من مايو معبّرا حضاريا راقياً عن مستوى وعي وارتقاء عمال البحرين وتنظيماتهم النقابية في مسيراتهم التي تميزت بالتنظيم والانضباط والجمال أيضا، بحيث لو استمر السماح لها كما كنا نأمل، لكانت رسالة للعالم أجمع عن مستوى الحرية والحراك المدني والنقابي في مجتمعنا، متمنيا أن يكون البديل لهذه المسيرة المزيد من إطلاق عنان الحرية لكافة وسائل التعبير أن تتناول الهم العمالي لتعوض ما كانت توفره المسيرة من قدرة على إيصال الرسالة من آلاف العمال والموظفين إلى المسئولين الكرام في هذا الوطن بجميع مستوياتهم عن جمبيع هموم ومشاغل عمال البحرين وحركتهم النقابية، مع تأكيد رعبتنا الصادقة أن تعود مسيرة الأول من مايو مرخصة كما كانت بعيدا عن هواجس التخوف حيث أثبت عمال البحرين أنهم أهل لهذه الحرية.
ثالثاً: قضية المفصولين.
أنه من المحزن فعلاً أن تمر أكثر من خمس سنوات ونحن مازلنا نتكلم عن المفصولين بسبب تداعيات الأحداث في 2011 وكم كنت أتمنى أن أقف أمامكم في مثل هذا اليوم ولا أبدأ حديثي في الأول من مايو بموضوع المفصولين ،كم كنت أتمنى أن يكون هذا الحديث الشجي من الماضي الذي لا يذكر ، كم كنت أتمنى أن لا أمر على معانات أخواني المفصولين من أعمالهم ومعاناة عوائلهم وما تكبدوه من آلام وأحزان في سبيل إرجاعهم إلى أعمالهم وذلك بحسب الاتفاق الثلاثي المبرم في 10 مارس 2014 وإذا أردت أن اشيد بما أُنجز منه بجهودٍ مشكورةٍ من ممثلي أطراف الإنتاج الموقعين وخاصة وزارة العمل ممثلة بسعادة الوزير وفريقه فأنني أريد أن أنوه أيضاً بأن تحقيق هذا الإنجاز ليس مدعاة للتوقف والراحة والتباهي بالماضي، بل للمزيد من العمل لإكمال المهمة ، فمن يقطع أكثر من ثلثي الطريق لا يتذرع بذلك عن إكماله ، بل يستلهم العزيمة والاصرار للمضي قدما.
ولا يفوتني هنا أن أنوه بما استمعنا إليه في لقائنا بسمو رئيس الوزراء حيث أكد سموه على احترام العامل البحريني ومكانته وأهمية انصافه بل وأكد سموه على مدى اهتمامه بالإنسان البحريني كونه ثروة هذا الوطن الحقيقية ومورده الذي حباه الله به حيث أبدى سموه عدم رضاه أن يضار أحد في لقمة عيشه ووجه مشكوراً إلى ضرورة إرجاع من تبقى من المفصولين إلى أعمالهم.
وهنا استدرك بالإشارة إلى بقية بنود الاتفاق وخاصة الحوار الاجتماعي ورصد التمييز ومعالجته أينما وجد ، وهو ما يدعونا للعمل معاً من أجل تصحيح حالات الفصل جميعاً بما فيها تلك التي أعقبت الاتفاق، وأهمها النقابيين المفصولين، وأولئك الذين فصلوا من القطاع الحكومي تحديداً على خلفية قضايا لا علاقة لها بما يجيز القانون الفصل بشأنه، مؤكداً وهذا عهد علي أن كل مفصول تعسفا وظلما فقضيته دين مستحق في أعناقنا جميعا.
رابعاً: البحرنة:
لقد أقلقنا كثيراً ما تناولته الصحافة من توجه لاستبدال نظام التعهدات بنظام البحرنة الموازي الذي يروج انه أكثر مرونة حيث يقوم على دفع مزيد من الرسوم لمن يريد زيادة حصة العمالة الأجنبية بمؤسسته، لذا فإن الاتحاد العام يشكك بقوة ومن واقع الخبرة والتجربة في نجاح هذه المنهجية في تحقيق البحرنة. وإذا كان المبرر في إلغاء نظام التعهدات هو كما يقال منع التوظيف الوهمي، فهل يمتنع من كان يدفع رواتباً لعمال وهميين، من دفع رسوم بدلا منها لتوظيف اجانب ؟ خاصة ونحن نعلم وجود من يستلم أصلا من العمال الأجانب سلفاً ما يعوضه هذه الرسوم.
لقد أثبتت سياسة تحقيق البحرنة أن الرسوم وحدها ودون آليات ملزمة لا ينمكن أن نتجح دون معوقات وعقبات تجعل للأسف هذه السياسة تسير بعكس أهدافها، فلم يصبح البحريني خيارا أفضل حتى اليوم والدليل وجود أكثر من سبعة آلاف حالة فصل تعسفي خلال ست سنوات أي ما يعادل ألف ومائة وثمانيون حالة سنوياً أي معدل 100 حالة فصل تعسفي شهرياً في القطاع الخاص بحسب تصريح وزير العمل.
إن كل هذه التراجعات في سياسات توطين الوظائف والبحرنة لا شك أنها تخالف توجيهات القيادة السياسية التي تحث دائماًعلى احترام العامل البحريني والثقة في انتاجيته والاعتزاز به أمام كل دول الجوار بوصفه الثروة الحقيقية للبحرين.
ومن هنا أنعطف إلى مشكلة الموظفات على قائمة 1912 واللاتي تم إنهاء عقود الكثيرات منهنّ عامي 2014، 2015 بعد عملهنّ لأكثر من خمس سنوات ضمن ما عرف آنذاك بمشروع إعادة تهيئة خريجات العلوم الإنسانية بدفعهنّ إلى وظائف ذات تخصصات مختلفة مطلوبة بسوق العمل ومع رعاية تمكين، ثم لاحقا وزارة العمل. وبرغم أن جميع عقود عملهنّ تنص بوضوح على أولوية التوظيف لهنّ في الجهات التي عملن بها إلا أنهنّ فوجئنَ بعدم التجديد لهنّ تحت حجة عدم وجود وظائف لهنّ، فماذا كنّ يعملنَ يا ترى طوال هذه الفترة؟!! وكيف بعدما أقنعناهنّ بتغيير تخصصاتهنّ التي تخرجنَ بها والقبول بوظائف لا علاقة لها بمؤهلاتهنّ وصرفت عليهنّ الدولة من أجور وتدريب في موقع العمل حتى اكتسبنَ مهاراتٍ جديدة، كيف نأتي اليوم لنقول لهنّ لا مكان لكنّ في العمل مهدرين بذلك خبرات ونفقات قدمتها الدولة لهنّ، بينما الطبييعي في أية إدارة جيدة للموارد أن نستفيد مما صرفنا عليه، وخاصة وقد حصل كثير منهنّ على تقدير وإشادات من مسئوليهنّ في مواقع العمل.
ولا يفوتني هنا أن أذكر أيضا الرئدات المحليات اللاتي تم الاستغناء عنهنّ بحجة أنهنّ لم يكنّ موظفات بل متطوعات فقط، مع أن قسيمة الأجر، وتوقيع الحضور والانصراف، والإجازات السنومية، وقب ذلك كله عملهنّ في المراكز الاجتماعية والذي استفاد منه المجتمع يثبت علاقة وظيفية من نوعٍ ما، وكل ما تطالب به هؤلاء الرائدات المحليات وقد بلغن أو اقتربن من سن التقاعد أن يكون لهنّ راتب تقاعدي يساعدهنّ على قضاء حياة بما بعد الوظيفة في راحة من عناء العيش وأمان من مشقة العوز والحاجة.
على أنني أشدد في ختام هذه الفقرة المعنية بالبحرنة، أنه يجب ألا يُفهمَ بأي حال من الأحوال أن اهتمامنا بلبحرنة يحل محل دفاعنا عن حقوق العمال المهاجرين فبالنسبة لنا فإن معايير العمل الدولية التي نعمل بمرجعيتها لا تقبل التجزئة ولا الازدواجية، وكل عامل مهاجر على هذه الأرض يجب أن تصان حقوقه وتحترم وفقا للقانون ولمعايير العمل الدولية وحقوق الإنسان ونحن ملتزمون بالدفاع عن هذه المباديء.
خامساً: التمثيل العمالي في هيئة التأمين الاجتماعي:
لقد صدر عن جلالة الملك مرسوم بتشكيل مجلس إدارة هيئة التأمينات الاجتماعية رقم 18 لسنة 2013 أي منذ أكثر من ثلاث سنوات ناصا على ممثلين للعمال في القطاع الأهلي، ولكن حتى هذه اللحظة لا يوجد ممثل عن العمال في هذا المجلس ومازالت مقاعده تخلو منهم وهو ما يجعلنا نعتبر هذا المجلس لا يوجد فيه من يمثل المؤمّن عليهم ويصون حقوقهم ونرى قراراته غير ممثلة فيها الاعتبارات والمصالح العمالية وفاقدة للمشروعية خصوصاً وأن المعلومات المتداولة بشأن العجز الاكتواري الذي يهدد استمرار النظام هي محل قلق وتساءل العمال في ظل شح المعلومات الدقيقة بالإضافة إلى ما يشاع من أخبار حول المساس والانتقاص من حقوق ومكتسبات المؤم!ن عليهم تحت ذريعة الخوف من العجز الاكتواري.
خامساً: برنامج العمل اللائق:
إن الاتفاق الثلاثي بشأن البرنامج الريادي للعمل اللائق pilot program for decent work والذي جعل البحرين ضمن عدة دول اختارتها منظمة العمل الدولية لتكون انموذجا لتطبيق خطة العمل اللائق ، هذا البرنامج الذي وقع من كل من (وزارة العمل، غرفة تجارة وصناعة البحرين، الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين” بالأحرف الأولى عام 2010 على هامش الدورة 37 لمؤتمر العمل العربي المنعقدة بمملكة البحرين، فأنني أؤكد على دعوة اتحادنا الأكيدة ورغبته الصادقة في تطبيقه في المستقبل القريب وأشدد على بقاء نفس الاطراف الموقعة عليه دون تغيير، لا لموقف مضاد نحمله من أحد، ولكن ببساطة لمسألة قانونية ومهنية بحتة وهي أن الاتفاق يلزم من وضعوا أسسه، وأجندته ، منذ البداية وهم مسؤولون معاً بالتضامن عن تنفيذه وأن لا وجه لدخول أي طرف كان في أي اتفاق بعد أن يتم التوقيع عليه وابرامه، كما يتمسك الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين كونه الممثل الشرعي والأصيل لعمال البحرين تحت مظلة العمل الدولية بأحقيته في اكمال ما تبقى من هذا البرنامج الذي لا شك سيكون نقلة نوعية لاستشراف مستقبل العمل في مملكة البحرين.
وفي الختام اكرر شكري للرعاية الملكية السامية لحفلنا هذا ولسعادة وزير العمل الموجود بيننا والسيد رئيس غرفة التجارة وأؤكد أن منهجي الخاص ومنهج الأمانة العامة بشكل عام هو التواصل والالتقاء مع مختلف الأطراف والأطياف على قاعدة التكافؤ واحترام الآخر وبناء الشراكة الاجتماعية من أجل وطن سعيد متقدم يضمن للجميع على قدم المساواة العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والعمل اللائق. مجددا تعهدي أمام أعضاء اتحادنا العام بأن تكون ثقة مؤتمرنا العام و توصياته دليلا لعملنا. وفق الله الجميع لكل خير وسدد على الطريق الخطى، إنه سميع مجيب.