الوسط – مالك عبدالله، حسين الوسطي
اعتبر مشاركون في منتدى «الوسط» عن قانون العمل في القطاع الأهلي، أن «المواد التي تضمنها القانون أعطت الغطاء القانوني للتسريح الجماعي للعمال، وذلك بحجة الحفاظ على الوضع الاقتصادي للشركات»، وانتقدوا إسقاط المواد المتعلقة بضرورة التفاوض بين أطراف الإنتاج من نص القانون.
وشارك في المنتدى عضو الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين محمد عبدالرحمن، والمحامي علي الورقاء، فيما تغيبت وزارة العمل وغرفة تجارة وصناعة البحرين عن حضور المنتدى، على رغم توجيه دعوات إليهما لحضور المنتدى قبل أسبوع من موعده.
وفيما يأتي نص الحوار الذي دار في المنتدى:
ما هي أبرز التحفظات على قانون العمل في القطاع الأهلي؟
– الورقاء: هذا القانون هو أسوأ قانون تشهده البحرين، وأنا أريد من يشيد بالقانون بحسنة واحدة وسآتيه بعشرات السيئات، وإذا أراد أن يشير إلى السيئات فنحن مستعدون، فهو قانون ركيك في الصياغة، فأية قاعدة قانونية لها بعدان؛ فإما أن تكون قاعدة لا يمكن مخالفتها أو قاعدة منظمة يجوز مخالفتها، لكن القانون لا تتوافر فيه هذه القاعدة الصحيحة، كما أن الصياغة تنم عن عدم خبرة بمجال قطاع العمل؛ فمن يصيغ مثل هذا القانون لابد أن يكون صاحب خبرة مثل مستشار قانوني دخل في صلب العمل أو من عمل بالنقابات لسنوات طويلة.
وهذا الحديث كنت أقوله منذ العام 2001 حين كنت عضواً في وضع مسودة قانون العمل الجديد من أصل 7 أعضاء لا يوجد بينهم إلا اثنان من القانونيين، وليس المقصود أن يكون هذا القانوني خريج حقوق، لكنه يعرف الأبعاد التي تحيط بالقانون، فلا تأتي بشخص من خارج البحرين ليضع قانوناً للبحرين، إذ تم نقل قانون دولة عربية إلينا.
لنتحدث عن ملاحظاتكم على مواد القانون؟
– الورقاء: هناك مادة تتعلق بالنساء وإجازة الوضع، فهي تتحدث عن إعطاء المرأة 60 يوماً إجازة بعد الوضع بدل 45 يوماً في القانون القديم، لكنه يضعها في فقرة أخرى، بأنه يحظر تشغيل المرأة خلال 40 يوماً من الولادة ما يعني أن هناك قاعدتين، الأولى أنه لا يحق لك التشغيل، وبعدها يجوز تشغيلها ويمكن لصاحب العمل أن يطالبها بالرجوع فتضطر إلى العودة إلى العمل تحت القهر، وبالنسبة إلى المرأة أيضاً؛ فإن القانون القديم لا يجيز عمل المرأة ليلاً إلا ما يصدر بقرار من وزير العمل، لكن في القانون الجديد أصبح تشغيلها ليلا باستثناء والمعروف ان الاستثناء قليل، ومن ليست لديه خلفية قانونية لا يدرك النقطة، إذ إن القانون الجديد يقول إن الأساس هو عمل المرأة في الليل ويستثنى بقرار من وزير العمل بعض الأعمال التي يمنع العمل فيها ليلاً، لكن متى ستصدر هذه القرارات؟، ومن الآن حتى تصدر يجوز تشغيل المرأة في أي عمل.
وهذه بعض المواد التي تؤكد أن القانون ركيك ولا يوجد به تنسيق أيضاً، فهو يتحدث مثلاً عن باب المرأة لكنك تجد باباً آخر توجد مادة عن المرأة وهذا سوء تنظيم وتنسيق، وعندما يتحدث عنوان الباب عن شيء معين فالمواد تتحدث عن هذا العنوان، فالحديث في باب الأجور مثلا يتضمن مادة تتحدث عن حظر بيع الأغذية وذلك في المادة 42 من القانون.
والقانون لا بد أن يكون فيه توازن، فإذا دافعت عن العامل يجب أن تدافع عن صاحب العمل أيضاً والعكس صحيح، فمثلا القانون يتحدث عن أن للمرأة إجازة 6 شهور إذا وضعت، والمفروض أن يكتب أنه لرعاية الابن الذي يحتاج إلى رعاية وفق الرأي الطبي، لا أن يترك الأمر عائماً ما يتسبب بضرر لأصحاب العمل.
وانا انتقدت قانون العمل السابق الصادر في العام 1993 والقانون الذي سبقه أيضاً ولكن القانون الجديد أسوأ منهما.
– عبدالرحمن: القانون يعطي نفوذاً واسعاً لأصحاب العمل ويعطي ضمانات قليلة للعمال، ولا يتوافق مع القانونين السابقين ولا مع المعاهدات الدولية التي وقعتها البحرين أو لم توقع عليها، فقانون 1957 أقر بعد الجلوس بين الأطراف المختلفة للإنتاج، وكان هناك باب خاص بالعمل النقابي، وهذا يعود الى ما قبل نصف قرن من الزمن، وكنا نأمل أن يأتي قانون 1976 ليفعل قانون النقابات لكن بعد دخول البلد في زمن قانون أمن الدولة؛ جرت تعديلات انفرادية وألغت الحركة النقابية وجرت تحركات عمالية عديدة لوضع قانون عادل للعمل، وبعد العام 2001 كانت البداية وجلسنا لنتحاور عن قانون العمل واستطاعت أطراف الانتاج الوصول إلى توافق على 85 في المئة من القانون، وكان ذلك خلال سنتين ونصف السنة، والمواد المختلفة عليها ستتم مناقشتها في السلطة التشريعية إلا أن القانون أخذ لمجلس التنمية الاقتصادية وتغير كل شيء.
هل تغير شيء في القانون بعد أن توافقتم على 85 % منه؟
– عبدالرحمن: نعم، إذ إن عملية تغيير كبيرة أجريت على ما تم التوافق عليه، وهذه أول التراجعات في حماية العمالة الوطنية والأجنبية، فالقانون بعد التغيير الجذري الذي جرى عليه أصبح بعيداً عن الحماية الاجتماعية؛ لأن مفهومنا أن العامل هو الأضعف باعتبار أن صاحب العمل هو صاحب النفوذ، وهناك ضمانات بحد أدنى يجب وضعها في القانون، وعلى الدولة أن تلتزم بالاتفاقيات الدولية التي صادقت البحرين على 10 منها من أصل أكثر من 100 اتفاقية، وكنا نأمل أن تصادق البحرين على 8 اتفاقيات أخرى، وهي واضحة وتلزم الدول بحماية واحترام المبادئ الأساسية في العمل، الحكومة تهربت من التوقيع على الاتفاقيتين 87 و98 وذلك من أجل التهرب عن حق النقابات في القطاع العمالي والحكومي، فديوان الخدمة المدنية يتعسف في اصدار قوانين ضد العمالة في القطاع الحكومي من دون أن يكون له أي حق في رد هذا التعسف، وقانون العمل يجب أن يمتلك دعائم أساسية وهو التشريع العمالي العادل المتكافىء والحامي في البعد الاجتماعي، وهذا التشريع افتقد كل ذلك، كما أن الدعامة الثانية هي إيجاد نقابات حرة ومستقلة تدافع عن العمال، وأن تأخذ وزارة العمل جانب الحياد وتكون المراقب لكن البنود في القانون فرقت هذه الدعائم الثلاث، وقانون النقابات هو جزء مكمل في قانون العمل والحكومة أبعدت باباً خاصّاً عن نصوص الاتفاقية 87 وأوجدت باباً فيه مساس كبير بنصوص الاتفاقيات الدولية.
ولو رجعنا إلى الدستور سنرى المادتين 13 و23 من الدستور تتضاربان مع قانون العمل الأهلي، إذ لم يعد العامل الآن يأخذ خياراته المطلقة في الوظيفة كما ينص على ذلك الدستور، إذ إن المادة (22) من القانون تتحدث عن أن لصاحب العمل أن يدرب العامل على وظيفة تختلف عن الوظيفة المتفق عليها، وهذا مثال واحد فقط، والمادة التي تمنح البحريني الأفضلية تم إلغاؤها والتي كانت تفضل البحريني بالتوظيف وأيضاً في جعلها الخيار الأخير في عملية الاستغناء.
والخطورة أيضاً أن هناك باباً كاملاً عن التفاوض والتحاور بين أطراف الانتاج تم إلغاؤه وهو ما يعني أن الحكومة لا تريد التشاور والتحاور بين أطراف الانتاج الثلاثة، وهذا مخالف لدستور منظمة العمل الدولية، والاتفاقية 144 والتي وقعت عليها البحرين وهي ملزمة بها، لكن الحكومة لم تحترمها.
هل يسمح القانون بالفصل التعسفي؟
– عبدالرحمن: المادة (104) من القانون تعطي صاحب العمل حق التسلط على العامل في إنهاء العقد وفيها السماح بالفصل التعسفي، فهي تضع حدّاً أعلى للتعويض في حين أنه لا يجوز إعطاء حدٍّ أعلى للتعويض عن الفصل التعسفي، وهذه سابقة خطيرة وسيقع ضيم وتعسف على العمالة الوطنية من قبل صاحب العامل في سرعة التخلص من العمالة الوطنية، من خلال الفصل التعسفي، والضمانة الوحيدة الموجودة هي للنقابي، لكن لا المرأة العاملة ولا العامل سيكون مستقرّاً في القطاع الخاص، والحكومة ملزمة بوضع برامج العمل اللائق إذ تم اختيارها من ضمن 8 دول من قبل منظمة العمل الدولية لذلك، والعمل اللائق يجب أن يكون في وظائف جيدة وأجور مجزية واستقرار وحماية وظيفية، ويجب ألا يكون هناك اقتصاد حر دون حماية وخصوصاً للعمالة، فهذا يسبب أزمات متتالية وهذا رجوع إلى المربع الأول ما يقود إلى عدم استقرار وظيفي، مما يصب في صالح فئة قليلة، والحرية المطلقة في الاقتصاد من دون مراعاة العامل الاجتماعي ستنعكس بشكل سلبي على الوضع الاجتماعي.
– الورقاء: المادة (111) من القانون تمنع أي تعويض للشخص الذي عمل شهوراً، وهذه قذيفة بوجه العمال، إلا إذا كان العامل نقابيّاً أو إذا كان مقدماً شكوى قبل فصله. ونحن نتساءل أين النقابات ولماذا أمضيت هذه المادة القاتلة؟، كما أن تحديد القانون لحد أقصى للتعويض يعتبر كارثة على العمال.
– عبدالرحمن: فيما يخص الفصل التعسفي؛ فإن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين دخل في التشاور مع الحكومة وأصحاب العمل، وكنا نطالب بأن من يفصل تعسفيّاً يرجع إلى العمل، وبعد الرفض المستمر قمنا برفع التعويض إلى سقف عالٍ، وطالبنا بأن يكون الحد الأدنى 6 رواتب عن كل سنة، وصارعنا من أجل ذلك، ولم نصمت، وحاولنا أن نوجد صمامات أمان لحماية العمال.
تثار مخاوف من أن مواد القانون الجديد تضمنت نصوصاً تعطي الضوء الأخضر لعمليات الفصل الجماعي، ما تعليقكم على ذلك؟
– عبدالرحمن: لم يشر القانون إلى عملية الفصل الجماعي بشكل مباشر، لكنه أعطى مساحة أمام الشركات تتيح لها التخلص من العمالة في حال كانت أوضاعها الاقتصادية ليست على ما يرام، ومثال على ذلك، ما يحدث الآن من إعادة هيكلة لشركة طيران الخليج تتضمن التخلص من أعداد من الموظفين.
وما يعيب القانون في هذا الجانب أنه حذف ما يتعلق بالتفاوض الجماعي بين أطراف الانتاج قبل اتخاذ أية خطوة تتعلق بالتخلص من العمالة، ففي السابق كانت الشركات التي تعاني من أوضاع اقتصادية سيئة لا تقدم على عمليات فصل لموظفيها إلا بعد جولات من التفاوض، ومن هنا؛ فإننا نطالب بتضمين هذا الأمر في القانون الجديد حفاظاً على حقوق العمال.
ونحن نخشى من أن يفتح غياب بند متعلق بالتفاوض الجماعي، الباب أمام عمليات لموظفين في الشركات الكبرى وقد لا يتوقف الأمر عند شركة طيران الخليج فقط، بل يمتد إلى شركات أخرى في ظل أن القانون يوفر الأجواء المناسبة أمام الشركات لاتخاذ مثل هذه الإجراءات التي ستستهدف بالدرجة الأولى الموظفين البحرينيين من ذوي الأجور المرتفعة.
– الورقاء: من الناحية العملية؛ فإن أية شركة تمر بظروف اقتصادية يجوز لها أن تتخذ قراراً بإعادة هيكلتها حفاظاً على وضعها في السوق، لكن أية خطوة بالتخلص من العمالة في إطار إعادة الهيكلة تستوجب أن تكون مسبوقة بدراسة دقيقة تثبت أن الشركة تقترب من الانهيار، وبالتالي يمكن التفاوض على تسريح بعض الموظفين.
ونستطيع القول إن القانون الجديد أعطى غطاء قانونيّاً لعمليات الفصل الجماعي، وذلك تحت ذريعة الحفاظ على الوضع الاقتصادي للشركات.
اين كنتم طوال الفترة الماضية، ولماذا لم تبدوا وجهة نظركم إزاء هذا القانون؟
– عبدالرحمن: الاتحاد العام للنقابات استمر بمتابعة قانون العمل في القطاع الأهلي خطوة بخطوة، وكنا على توجس عندما ذهب القانون إلى مجلس التنمية الاقتصادية، وتابع الاتحاد مسيرة القانون إلى أن وصل إلى السلطة التشريعية، وجلسنا جلسات متواصلة مع كل من مجلسي النواب والشورى، وأبرزنا لهم النقاط والمواد التي تمس بكل الاتفاقيات والمساس بما تم الاتفاق عليه بين اطراف الانتاج، وفي برلمان 2006 كان هناك حفاظ على بعض المواد ولكن في مجلس الشورى تم وضع الصياغات الحكومية للمواد، وكنا نصر على إقرار ما تم الاتفاق عليه بين أطراف الانتاج، وكنا نبين خطورة ما يجري من تغيير على قانون النقابات والعمل. لكن للأسف يبدو أن هناك مطابخ غير علنية أصرت على وجود هذه الصياغات. لذلك رفعنا شكاوى إلى منظمة العمل الدولية وذلك بتحفظاتنا على المادة (10) والخاصة بالعمل النقابي في القطاع الحكومي، وكذلك المادة (21) عندما فرق في حق الاضراب في النقابات، ولم يرجع إلى لجنة الحريات في منظمة العمل الدولية والتي تتحدث عن حظر الاضراب في الاماكن التي تمس حياة الإنسان، وهي أربعة قطاعات وليس 12 كما جاء في قرار مجلس الوزراء. ونؤكد أن الحركة العمالية لا تسعى إلى الإضراب وأبغض الحلال عندنا في العمل هو الإضراب، ومن يرفض الجلوس والتحاور والتفاوض وعدم الاستماع إلى الآخر ومنع التشاور ومنع العمل النقابي في الحكومة هو من لا يريد الحوار.
هل ترى أن حراك الجهات المعنية كان كما المطلوب؟
– الورقاء: لم أشعر بوجود حراك أو اعتراض أو مشاركة في القانون… وفجأة القانون صدر وذلك بعد غياب فترة طويلة عن الإعلام، وكان لمدة 12 عاماً موجوداً وكانت هذه المدة كفيلة بولادة قانون بصورة غير مشوهة.
هل يتضمن القانون أية مخالفة دستورية قد تفتح الباب للطعن في دستوريته؟
– الورقاء: لا نستطيع القول إن القانون بجملته غير دستوري، لكن هذا القانون يتضمن مفردات وبنوداً يمكن الطعن في دستوريتها، وحتى الآن لا يوجد توجه للطعن في دستورية القانون.
– عبدالرحمن: الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين يرى أن القانون انتهك حق التشاور بين أطراف الانتاج الثلاثة، والاتحاد بصدد استخدام مختلف الوسائل للضغط باتجاه تصحيح وضعية القانون، كما هو بصدد إعداد دراسة متكاملة عن هذا القانون، وذلك بغرض توفير البُعد الاجتماعي في القانون حماية لحقوق العمال.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3823 – الأحد 24 فبراير 2013م الموافق 13 ربيع الثاني 1434هـ