كان يُنتظر من النيابة العامة أو من ينوب عنها في حماية المال العام في الحكومة إحالة المسؤولين المتورطين في عمليات فساد أو سوء إدارة شركة طيران الخليج إلى التحقيق والمحاكمة، إلا أن الجميع تفاجأ بمساءلة منتقدي الشركة والتضييق عليهم باستمرار.
حجم الفساد في الناقلة الوطنية كبير، وتدل خسائرها المتراكمة منذ سنوات على ذلك، إذ تجاوزت اليوم أكثر من مليار ونصف المليار دينار، وعُرضت تفاصيل كثيرة للنقاش في مجلس النواب بشكل سنوي، وأتذكر أن النائب السابق عيسى أبوالفتح قال في 2007 “فساد طيران الخليج يستحق دخول موسوعة غينيس”.
لكن فساد طيران الخليج لم يدخل غرف المساءلة القانونية والجنائية، ولم يدخل موسوعة غينيس، بل تمت مساءلة صحافية حاولت بتقديرها الخاص أن تسلط الضوء على اللعب بالمال العام في “الناقلة الوطنية”.
ويمكن لنا أن نستغرب قبول النيابة العامة لمثل هذه الدعوى التي تتناقض بشكل صريح مع حرية التعبير والرأي، وتصادر بشكل واضح حقا دستوريا وقانونيا مكفولا تعمل على صيانته الدولة والحكومة بوجه خاص.
إن العمل على تكميم الأفواه وتهديد أصحاب الرأي باللجوء إلى المحاكمة والنيابة العامة، يفقد الدولة أهم مقومات القدرة على تصحيح مسارات العمل على المستويات المختلفة ومن أهمها السياسية والاقتصادية.
تشدد الحكومة بشكل دائم على صيانة الحريات العامة، والحريات الصحافية، إلا أن بعض الجهات ومنها طيران الخليج لا تمتلك أفقا في تقبّل الرأي الآخر، وهذا الأمر قبل إساءته إلى الدولة في بُعد الحريات فإنه يسيء إلى الشركة كونها ترفض التصحيح الذي يمر عبر مراجعة الانتقادات.
ليست المرة الأولى التي تحاول فيها شركة طيران الخليج التأثير على الرأي الآخر، ولن تكون المرة الأخيرة، ويجب أن تستوعب الشركة ومثيلاتها أن الأقلام الحرة ليست ملك أحد، وأن محاولات التضييق لن تجدي نفعا.
الزميلة فاتن حمزة لم ترتكب جرما ولم تتجاوز قانونا؛ لأنها انتقدت منظومة الفساد في شركة طيران الخليج، وهو انتقاد موضوعي في وجهة نظري، خصوصا أن الشبهات تحوم حول هذه الشركة منذ سنوات بعيدة، فلا يعقل ولا يصح أن تمنى الشركة بخسائر فادحة أفقدتها رأسمالها وجرعات الإنقاذ التي حصلت عليها من الحكومة مرات عدة وهي مازالت تشكو الخسائر.
لا يعقل أن يصمت كل من له علاقة على حالة طيران الخليج المؤسفة وعلى منظومتها الإدارية الموغلة في الفشل والتردي وتكرار الأخطاء تماما مثلما لا يمكن أن تسكت أجهزة الإعلام وتجلس في مقاعد المتفرجين إزاء كل ما ترتكبه هذه الشركة العجيبة في تبديد المال العام.
لا أعرف من أي قاموس ومعتقد جاءت الشركة بهذا الادعاء على الزميلة لمجرد أنها حاولت الاقتراب من المناطق المحرمة لشركة أكل عليها دهر الفساد وشرب.
يتعين على الحكومة ومجلس النواب العمل بشكل سريع لإصدار قانون عصري للصحافة، يضمن عدم تعرض الصحافيين وأصحاب الرأي إلى دعاوى كيدية لا تقصد إلا تكميم الأفواه والتضييق على الآراء المختلفة.
جريدة البلاد – العدد ١٩٦٦ – يوم الأثنين الموافق ٣ مارس ٢٠١٤