طلبة «البحرين للمعلمين» المفصولين للمرة الألف يطالبون بالتعليم

سلمان سالم … نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق
لم يكن أحد يتوقع من الذين يقدرون القيمة الوطنية للشباب، والذين يعتقدون أنهم ثروة وطنية لا يمكن التفريط بها بمختلف المنعطفات السياسية والاقتصادية والإجتماعية، أن تقوم وزارة التربية والتعليم باستهدف طلبة كلية البحرين للمعلمين بقسوة مفرطة وغير مسبوقة طوال السنوات الماضية، والتي لو قامت بمراجعتها بعيداً عن كل المؤثرات النفسية السلبية، لوجدتها تخالف في مجملها أبسط الأسس التربوية والحقوقية والقانونية والإنسانية والوطنية.
ولو سألت الوزارة نفسها عن الذنب الذي ارتكبه الطلبة حتى قرّرت فصلهم عن الدراسة وحرمانهم من ممارسة حقهم في التعليم الذي كفله ميثاق العمل الوطني والدستور وجميع المواثيق الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان، والتي وقّعت عليها حكومة البحرين فأصبحت بموجبه لزاماً عليها دولياً تنفيذها على أرض الواقع، وحتى لو كان الشخص محكوماً عليه ويقضي مدة الحكم في السجن فيجب ألا يحرم من حقه في التعليم.
هذه القوانين المحلية والاتفاقات والمواثيق الدولية، يجب ألا تسمح أي جهة حكومة أن تحيد عنها خصوصاً في الأزمات السياسية، حتى لا تكون بانتهاكاتها لحقوق الإنسان سبباً في إحراج البلد أمام المحافل الحقوقية الدولية. ويظهر أن الوزارة لا يعنيها سمعة البحرين الدولية من خلال إصرارها على مواصلة معاقبة الطلبة والتضييق عليهم ووضعهم في ظروف صعبة جداً، وغلق جميع الأبواب أمامهم لكي لا يتمكنوا من أخذ حقهم في التعليم، وكأنها جعلت من قضيتهم ومعاناتهم سبيلاً لها للتسلية واللعب بمشاعرهم الإنسانية وأوضاعهم المادية.
والذي يزيد الطلبة وأولياء أمورهم والرأي العام المحلي دهشةً، هو أن الوزارة تشتد قسوتها الطائفية على طلبة عُرفوا بتفوقهم دراسياً، وتميّزهم سلوكياً وأخلاقياً في الجامعة. ويقول الطلبة الذين تعرّضوا للفصل من الدراسة، أنهم لم يتركوا باباً إلا وطرقوه. فقد خاطبوا وزير التربية والتعليم ووكيل الوزارة مرات عديدة دون جدوى، ويؤكّدون أنهم لن ييأسوا ولن يملوا أو يكلّوا من تكرار طرح هذه القضية التعليمية التي يعتقدون أنها محسومة لصالحهم حقوقياً ودستورياً، حتى لو تعمّدت الوزارة صمّ آذانها عن سماع أصواتهم التي سمعتها المنظمات الدولية. وكان الطلبة يتوقعون من الوزارة أن تلبي مطلبهم الوطني والإنساني الذي لا يختلف على أحقيته أحدٌ من العقلاء. وبعد أيام سيبدأ الفصل الدراسي الثاني ومازالت الوزارة مع الأسف الشديد تمنعهم من التعليم وممارسة حقّهم في خدمة بلدهم بإمكانياتهم وطاقاتهم التعليمية المتميزة.
وفي المقابل مازالت الوزارة تذهب إلى خارج البلد لتستجلب معلمين واختصاصين تربويين لسد النواقص في المدارس، وتصرّ على ممارسة النهج الطائفي البغيض الذي تصفه إدارة العلاقات العامة والإعلام بالوزارة بـ «الخرافة» رغم وضوحه للجميع، واعتراف الجميع بوجوده بهذه الصورة الفاقعة.
ورغم كثرة ضحايا هذا النهج الطائفي من مختلف التخصصات التربوية والتعليمية الذين لو رفعوا عليها دعاوى قضائية يطالبون من خلاله رد اعتبارهم المهني والمادي، لوقعت الوزارة في حرجٍ شديد، لأن القانون سيكون معهم من دون شك، ولا ندري هل استمرارها في فصلها لشباب الوطن الصاعد يصبّ في صالح الوطن؟ وهل استراتيجيتها التربوية والتعليمية توحي لها بضرورة التخلص من كوادرها الوطنية والاستعانة بكوادر من خارج البلد؟
نقولها للمرة الألف، وسنظل نقولها للوزارة: إن فصل عشرات الطلبة الجامعيين من الدراسة لا يتناسب ولو بنسبة متدنية جداً مع ما تدّعيه في المحافل التربوية، بأنها حريصةٌ على مستقبل أبناء الوطن… أفليس هؤلاء من أبناء الوطن المتميزين؟ أليست الجامعة هي التي قامت بتشجيعهم من خلال المناهج الدراسية بأن يعبروا عن آرائهم بكل حرية؟ لماذا تعلمهم حقوقهم في التعبير عن آرائهم ثم تعاقبهم إذا ما مارسوا هذا الحق؟
إن كل المبررات والأسباب التي ساقتها لم تصمد أمام الحقيقة والواقع، ولم يكن فصلهم عن الدراسة بسبب تخلفهم في الدراسة، ونتائجهم تشهد ببطلان هذا المبرّر الذي أوجدته بعدما أبطلت «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» جميع الإجراءات والقرارات التي اتخذتها ضدهم في شهر مارس/ آذار 2011، وبعدما طلبت منها اللجنة إرجاعهم جميعهم إلى مقاعدهم الدراسية، لأن استمرارها في فصلهم يعد مخالفة صريحة لأبسط المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
فلهذا نكرّر طلب اللجنة مرةً أخرى، ألا وهو إعادتهم إلى مقاعدهم الدراسية في أسرع وقت ممكن، ويكفي ما ضاع من عمرهم وهم يتنقلون بين المحاكم والنيابة العامة ولجان التظلمات ووزارة التربية والتعليم. يا من بيدكم حلّ هذه المشكلة… اسمحوا للوطن أن يستفيد من خدماتهم وقدراتهم وعطاءاتهم التعليمية والتربوية ولا تحرموه من إمكانيات وطاقات أبنائه، فلو ذهبتم إلى هذه الخطوة وقويتم إرادة الوطن وأقفلتم هذا الملف نهائياً وجعلتموه حدثاً من الماضي فلن نحتاج التطرق إليه مرةً أخرى، وسيعلن الطلبة وأولياء أمورهم أيضاً تقديرهم لها.
جريدة الوسط – العدد  ٤١٨٤ – يوم الخميس الموافق  ٢٠ فبراير ٢٠١٤

Image Gallery