التهميش.. هل هو فساد إداري؟

أحمد عبداللطيف البحر
(1)
قالت مديرة المكتب للمراجع: لا أنصحك بعرض موضوعك على المسئول الذي ذكرته, فهذا المسئول ليست لديه أية مهام أو مسئولية.. هو مهمش, يمكنك الإتصال مباشرة بالمدير للمنظمة! إنتهى كلام المديرة.
ربما حدث وإن سمعنا مثل هذه العبارات أكثر من مرة وربما في أكثر من مؤسسة. الوظيفة وكما يعرفها معجم المصطلحات الإدارية هي «مجموعة من المهام المتجانسة يؤدي تحقيقها إلى خدمة أغراض باقية وثابتة بالنسبة للمنظمة» إنتهى الإقتباس. ولكن كيف يستطيع شاغل الوظيفة –أي وظيفة- من المساهمة في خدمة المنظمة وتحقيق أغراضها إذا تم تفريغ وظيفته من المهام والمسئوليات خاصة إذا كان ذاك الموظف المهمش من الأكفاء والذين يمكنهم وبأدائهم المهني أن يضيفوا للمنظمة. تعريف الإدارة كما يؤكد ممارسوها هو أنها «عملية تحقيق الأهداف الموضوعة للمنظمة عن طريق الإستغلال الأمثل للموارد البشرية والمادية» إنتهى. فكيف تتحقق تلك الأهداف وهناك هدر مقنن للكفاءات؟ أليس تجميد المسئوليات والمهام للموظف هدراً أيضاً للموارد المالية؟ فهذا الموظف المهمش يستلم راتباً دون ممارسة فعلية لأي عمل. أليس هذا نوعاً من الفساد الإداري؟ إضافة إلى أنه تعطيل لكفاءات يمكن أن تساهم وبفاعلية في تحقيق أهداف المؤسسة؟ ربما هناك سؤال بدأ يتكون في أذهاننا ونحن نقرأ هذا الأسطر, لماذا يلجأ المسئول إلى تهميش موظف يعمل تحت إمرته الإدارية علماً بأن هذا الموظف تم تعيينه بعد اجتيازه الإجراءات المتبعة ويتمتع بقدرات تؤهله القيام بمسئوليات ومهام وظيفته. بل وربما يتمتع بكفاءة عالية في مجال عمله. لنر عزيزي القارئ بعضاً من تلك الأسباب من خلال الموقف التالي.
(2)
 يقول (ليو روستن) «أصحاب الدرجة الأولى يوظفون أشخاصاً من الدرجة الأولى, وأصحاب الدرجة الثانية يوظفون أشخاصاً من الدرجة الثالثة» إنتهى. هذه المقولة تكاد تنطبق فعلاً على صاحبنا المسئول في هذا الموقف فهوو يحرص دائماً أن يكون من يعمل معه ذا قدرات مهنية محدودة وشخصية مترددة تسهل عملية قيادتها ولا تمتلك الجرأة الكافية في استخدام حقوقه وهو السؤال. لا شيء يغيض هذا المسئول أكثر من أن يتجرأ أحدهم بطرح سؤال عليه. لقد نجح في خلق ثقافة مؤسسية مبنية على عنصر (لا تسأل) في إدارته. وفي أحد الأيام تسلم المسئول قراراً من مجلس الإدارة بتعيين نائباً له. كان وقع هذا القرار كالصاعقة عليه. فالنائب الجديد يتمتع بكفاءة عالية وشخصية قوية متزنة وفوق ذلك كله فقد لقي تعيينه تقبلاً من العاملين. ما العمل؟ تعيين هذا النائب يعني بالنسبة لصاحبنا المسئول إن «الكرسي» أصبح آيلاً للسقوط. بعد فترة من التحاق ذلك النائب بالمؤسسة بدأ المسئول في تطبيق سياسة التهميش التي كان يتبعها دائماً في حالات مشابهة. هذا هو الحل الذي سيجعل نائبه يترك المؤسسة, هكذا أقنع نفسه. استمر في تطبيق هذه السياسة حتى وجد النائب نفسه بدون أي مهام فتوجه إلى مجلس الإدارة باستقالته.
(3)
 يقول الرئيس الأمريكي الراحل (رونالد ريغان) «إجمع حولك أفضل الأشخاص الذين تستطيع العثور عليهم وفوض لهم السلطة ولا تتدخل» إنتهى الإقتباس. هذا ما كان يؤمن به المجلس على عكس سياسة ذاك المسئول الذي كان يركز على توظيف أشخاص من الدرجة الثالثة, كما يسميهم (روستن). بعد ثلاثة أسابيع وجد صاحبنا المسئول مكتبه في غرفة معزولة كانت تستخدم لحفظ الملفات القديمة والأرشيف وكان يطلق عليها البعض من باب التفكه «غرفة الترانزيت» أي إن مستخدم هذه الغرفة لن تطول إقامته فيها فوجهته معروفة بعد ذلك. كلما مررت بأشخاص من شاكلة ذاك المسئول تذكرت مقولة (أليكساندر دوما الأب) «كن لطيفاً مع الناس وأنت تشق طريقك لأعلى لأنك ربما تقابلهم وأنت في طريقك لأسفل». عودة لموضوعنا, التهميش في رأينا ليس حلاً بل هو المشكلة بعينها. فهو مصادرة لمحتوى مستند الوصف الوظيفي للموظف وهو أيضاً أحد أوجه الفساد الإداري المتمثل في هدر الموارد البشرية والمالية. ما رأيك عزيزي القارئ؟
جريدة الايام –  العدد ٩٠٦٨  – يوم الخميس  ٦  فبراير ٢٠١٤
أحمد بحر

Image Gallery