بقلم :يوسف المقهوي
قد يبدو العنوان مزعجًا أو مستفزًا، حيث إن التسول في البحرين لا يعد ظاهرة يمكن الحديث عنها، لكن التسول المعني هنا هو “تسول الوظيفة”، وهنا يختلف الأمر، إذ إننا لا نتحدث عن ظاهرة، بل عن كارثة وطنية بامتياز.
اليوم أصبح حديث الجميع وفي كل مناطق المملكة، في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحافة وفي المجالس الأهلية وفي البرلمان، عن طلب الوظيفة، وهذا الأمر الكارثي متصاعد بسبب تزايد أعداد العاطلين السنوي المتراكم، يقابله تزايد في أعداد العمالة المهاجرة، والأرقام الصادمة وحتى الرسمية منها تنذر بخطر لا يكترث أحد له.
عدم توفر الوظيفة بعد كل هذه التكاليف الدراسية، سواء كانت بعثة أو منحة أو على حساب المواطن، هو عملية إفقار غير مباشرة للمواطنين، بل هو عملية انهيار قد يتسبب في تدمير العائلة والمجتمع، لعدم وجود المعيل. فبعض العوائل لديها أكثر من عاطل، وهم عبء على رب الأسرة في ظل هذا التوحش الاقتصادي والغلاء المعيشي واستقطاعات السكن الاجتماعي التي أرى أنها تهدف لإرهاق المواطن لمدة 25 عامًا متواصلة.
السؤال الأكثر إلحاحًا: ما الذي يمنعنا كدولة من إصدار قانون “بحرنة الوظائف” في بعض المهن كما فعلت بعض دول الخليج؟ ما الذي يجعلنا لا نفرض نسبة بحرنة في المستشفيات الخاصة؟ ما الذي يجعلنا نأتي بالعمالة المهاجرة في تخصص المحاسبة أو تقنية المعلومات أو الصحة والسلامة، أو الهندسة الكهربائية أو الميكانيكية؟ ما الذي يجعلنا كدولة نفخر بشبابها لكنها تعطل إنتاجيتهم وكفاءتهم؟ ولماذا تتحول مكاتب النواب إلى مكاتب توظيف بدلًا من التشريع والرقابة، حيث يقوم كل نائب بإرسال قوائم من العاطلين للشركات الكبرى طلبًا في توظيفهم؟ لماذا كل هذا؟
في قانون العمل الأهلي مرسوم 23 لسنة 1976، هناك نص صريح وواضح ينتصر للمواطن، المادة (6): “لوزير العمل والشئون الاجتماعية حق إلغاء بطاقة العمل – للعامل الأجنبي – في الأحوال التالية: إذا رأى في استمرار اشتغاله في البحرين منافسة للعمال الوطنيين في سوق العمل…”
التشفي في المواطن إلى هذا الحد هو قنبلة موقوتة. الوطنية تُبنى من المواطن وليس من العمالة المهاجرة. لا يمكن أن أبحث عن ولاء ووطنية في قلب مواطن مشحون لا يجد وظيفة براتب عادل يستر ما تبقى من الكرامة.
نعم، نحن نتسول الوظيفة، وإذا توظفنا نتسول الوظيفة الكريمة والراتب الكريم، والأكبر من ذلك أن المواطن فقد الأمان الوظيفي، فأصبح لقمة سائغة للطغيان الإداري، فلا حسيب ولا رقيب.