إلغاءُ بندِ الحوافزِ والمكافآتِ.. عملٌ إجرامي!!

لطفي نصر
في حديث لقناة «دريم2» المصرية كشف وزير المالية المصري عن أن الكثيرين يعتقدون خطأ أن الحكومة المصرية قامت بعمل بطولي وسخي عندما رفعت الحد الأدنى للأجور في مصر من (200) جنيه مصري إلى (1200 جنيه).
قال الرجل في صراحة نادرة تنقص الكثير من الوزراء العرب: إن كل ما حدث هو أننا نقلنا كامل الاعتماد المالي الخاص ببند الحوافز والمكافآت للموظفين إلى بند الرواتب الأساسية.. ثم أضاف قائلا: «يعني إحنا لم ندفع مليما واحدا في كُلفة هذا الرفع التاريخي في الأجور!».
المذيعة: يعني الحكومة لم تغرم ولا مليم؟
الوزير: ولا مليم.. بل إن كُلفة رفع الحد الأدنى للأجور أقل من بند الحوافز والمكافآت.
المذيعة: وما رأيك أنت يا معالي الوزير فيما تم؟
الوزير: أنا كنت ومازلتُ غير موافق على رفع الحد الأدنى للأجور إذا كان سيترتب عليه إلغاء نظام المكافآت والحوافز.
ثم قال الوزير للمذيعة: من أين كان بإمكاننا توفير هذا الاعتماد المالي الكبير لرفع الحد الأدنى في هذه الظروف الصعبة التي تحل بمصر.. لم يكن أمامنا إلا إلغاء بند في الميزانية لنوفر لبند رفع الحد الأدنى للأجور!
دائما وأبدا الاتحادات العمالية والمنظمات الحزبية – وهي صاحبة مشروع رفع الحد الأدنى للأجور بالقدر السابق الإشارة إليه- تتعامل مع المطالب والأوضاع بانفعال كبير وغير مدروس أو محسوب بالمرة.. ومن منطلق إيمانها الشديد بمقولة «إحييني النهارده وموتني بكره»!
وهم الآن يسهمون في «تمويت» عمال مصر ببطء شديد.. حيث كان العمال يهتفون بحياة الحكومة عندما صدر قرار رفع الحد الأدنى للرواتب إلى (1200) جنيه مصري.. ظنا منهم أن هذا الرفع الكبير لرواتب الفئة الكادحة من العمال إضافة إلى المكافآت والحوافز فإنهم سينقلون بقدرة قادر إلى طبقة الميسورين.. حيث إن الحوافز والمكافآت الشهرية – وكانت تصرف بشكل ثابت- وبأضعاف أضعاف قيمة الراتب تصل بدخولهم إلى ما فوق الـ (1200) جنيه بكثير، وعندما اكتشفوا ذلك ثارت ثائرتهم.. ويقيمون الآن الدنيا ولا يقعدونها.. والله وحده هو الأعلم بما يمكن أن يحدث!
هذا هو الذي فطن إليه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء بوصفه رئيس مجلس الخدمة المدنية عندما قدّم الرد عمليا على المطالبين بزيادات استثنائية في الراتب لموظفي الحكومة وأمر باعتماد 6 ملايين دينار سنويا تضاف إلى بند الحوافز والمكافآت في الباب الأول بالميزانية العامة للدولة.. بمعنى – كما سبق أن شرح رئيس ديوان الخدمة المدنية السيد أحمد بن زايد الزايد- أن هذه اللفتة الكريمة من سمو رئيس الوزراء.. قد أبقت على نظام وحجم اعتمادات المكافآت والحوافز للعاملين بالحكومة كما هي.. ثم استحدثت حوافز جديدة سخية يصل بعضها إلى (1500) دينار للموظف المبدع دفعة واحدة.. ثم إضافة زيادات إلى قيمة الحوافز المقررة حاليا.. ورفع قيمة العلاوة الاجتماعية للموظفة المتزوجة لتتساوى مع العلاوة الاجتماعية المقررة للموظف المتزوج.. إلى آخر ما سبق أن قدمناه من قبلُ على لسان الأستاذ أحمد الزايد.
اسمحوا لي أن أقول إن من يستهين بأنظمة الحوافز في أي موقع عمل، أو يمس بند المكافآت أو ينتقص منه أو يجور عليه فإنه يكون قد ارتكب عملا إجراميا في حق الوزارة أو المؤسسة أو الشركة.. وفي حق العمل والإنتاج والعطاء.. وفي حق العمال والموظفين أنفسهم.. ولأنه يكون هنا قد ساوى بين الغث والسمين.. وبين الموظف المبدع المتفاني والمعطاء.. وبين المهمل والمتقاعس والضعيف.. ولا شيء في الدنيا يشعل الحماس في نفس الموظف والعامل نحو العطاء والتفاني غير الحوافز والمكافآت.. وخاصة أنه للأسف توجد ظاهرة مستوطنة في العالم العربي.. مقتضاها أن أحدا لا يستطيع أن يغير قناعة الموظف أو العامل بأن الراتب الشهري – مهما عظم شأنه- لا يلبث أن يفقد قيمته أو تأثيره ثم يصبح هو والصدقة أو الزكاة سواء.. وأنه من واجب الدولة أن تقدمه سواء عمل الموظف أو لم يعمل!!
العيب الوحيد في أنظمة الحوافز أو المكافآت هو أنها في العالم العربي تنتقل إليها عدوى المحسوبية والهوى وعدم العدالة في منحها بسرعة شديدة.. وأنها في معظم الأحوال تذهب إلى غير مستحقيها.. ويحرم منها مستحقوها!
وهنا إذا قلنا إنه يجب على ديوان الخدمة المدنية أن يراقب الوزارات في تطبيق أنظمة الحوافز والمكافآت.. فإنه نظرا إلى أننا نغالي في كل شيء، وخاصة في إعمال الأنظمة الرقابية.. فإن ديوان الخدمة المدنية هو أيضا سرعان ما ينحرف نحو المغالاة، والتضييق على الوزارات، وغل يدها عن مكافأة موظفيها، وخاصة أنها هي – أي الوزارات- التي تعرف أكثر من غيرها من هو على وجه التحديد الموظف الكفء أو الموظف غير الكفء.. وإذا قلنا.. فلتعط الحرية كاملة لمسئولي الوزارات في أن يكافئوا ويحفزوا مرؤوسيهم في العمل.. فإن الأمر هنا قد لا يسلم من الهوى والانحياز وظلم المجدين والمتميزين أصحاب الحق في هذه المكافآت والحوافز من دون غيرهم.
لذا ليس أمامنا سوى تدريب الرؤساء والمشرفين في العمل على ممارسة الموضوعية والعدالة والحيادية في تطبيق نطاق الحوافز.. وجعلهم يؤمنون بأن وصول الحافز إلى من يستحقه من دون غيره هو في حد ذاته عملا وطنيا.. يجيء في مصلحة الوطن والوزارة أو الجهة التي تمنح فيها.. وفي مصلحة المسئولين والمشرفين في العمل أنفسهم.
ويمكن أيضا ترشيد دور ديوان الرقابة المالية والإدارية في مراقبة تطبيق نظام المكافآت والحوافز وملاحظة ملفاتها.. شأنها في ذلك شأن أي ملفات أخرى في نطاق العمل والوظيفة.. وهذا هو من صميم عمل ديوان الرقابة.
جريدة اخبار الخليج  – العدد  ١٣١١٩ –   يوم السبت الموافق  ٢٢ فبراير  ٢٠١٤

Image Gallery