أهمية بطاقة الأداء المتوازن للمنظمات غير الهادفة للربح: أداة استراتيجية للتقييم والتحسين المستدام

د. نجيب غربال

في ظل تعقيدات البيئة التشغيلية وتزايد التحديات أمام المنظمات غير الهادفة للربح، برزت الحاجة الملحة إلى أدوات فعَّالة لقياس الأداء وتوجيه الاستراتيجيات. وتُعد بطاقة الأداء المتوازن (Balanced Scorecard) واحدة من أبرز هذه الأدوات، لما توفره من نظرة شمولية ومتكاملة للأداء المؤسسي تتجاوز المقاييس المالية التقليدية. وعلى الرغم من أن هذه البطاقة طُورت أساساً في السياق الربحي، فإنها أثبتت فعاليتها العالية في المنظمات غير الربحية بفضل قدرتها على ربط الرؤية والرسالة بالأداء الفعلي على أرض الواقع.

ففي هذه المنظمات، لا يتم قاس النجاح فقط بالعوائد المالية، بل بمدى تحقيق الأثر الاجتماعي والخدمي في المجتمع. من هنا، يصبح من الضروري تبني منهجية تساعد في تحقيق التوازن بين الأداء الداخلي والخارجي، وبين الكفاءة التشغيلية والغايات الاجتماعية، وهو ما توفره بطاقة الأداء المتوازن بأسلوب احترافي ومنهجي.

آليات استخدام بطاقة الأداء المتوازن في المنظمات غير الربحية

يعتمد استخدام بطاقة الأداء المتوازن في المنظمات غير الربحية على تكييف أبعاد البطاقة لتلائم طبيعة هذه المؤسسات التي لا تهدف إلى تحقيق الربح، بل إلى تحقيق رسالة مجتمعية، أو إنسانية، أو ثقافية، أو بيئية.

تبدأ الآلية من ترجمة الرؤية والرسالة إلى أهداف استراتيجية واضحة، يتم توزيعها على الأبعاد الأربعة التقليدية للبطاقة، وهي: المالية، والعمليات الداخلية، والعملاء (المستفيدين)، والتعلم والنمو. ثم يتم تحديد مؤشرات أداء (KPIs) لكل بُعد، مع وضع مستهدفات كمية أو نوعية، وخطط تنفيذ ومتابعة دورية.

في هذا السياق، تنعكس بطاقة الأداء المتوازن بشكل إيجابي على المنظمة من خلال:

  • تحقيق الاتساق الاستراتيجي بين الأنشطة اليومية والرؤية العامة.
  • تحسين جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين من خلال مراقبة الأداء وتطويره.
  • رفع كفاءة تخصيص الموارد وتوجيهها نحو الأنشطة ذات الأثر الأكبر.
  • تعزيز ثقافة التقييم والتحسين المستمر داخل المنظمة.
  • تسهيل عملية اتخاذ القرار على جميع المستويات، بناءً على بيانات دقيقة ومؤشرات قابلة للقياس.

البُعد الخامس: البيئة والمجتمع (التنمية المستدامة)

بالرغم من فعالية الأبعاد الأربعة التقليدية في بطاقة الأداء، إلا أن خصوصية المنظمات غير الربحية، خاصة تلك ذات الصبغة المجتمعية، تستدعي إضافة بُعد خامس يتمثل في “البيئة والمجتمع” أو “الاستدامة”.

يُعنى هذا البُعد بتقييم الأثر المجتمعي والبيئي لأنشطة المنظمة، ومدى مساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مثل:

  • تحسين مستوى التعليم والصحة.
  • دعم الفئات المهمشة.
  • المساهمة في الحفاظ على البيئة وتقليل البصمة الكربونية.
  • تعزيز الشراكات المجتمعية والتطوعية.

هذا البُعد يضمن ألا يقتصر تقييم الأداء على الكفاءة التشغيلية فحسب، بل يمتد ليشمل مدى تحقيق الأثر الاجتماعي والبيئي الملموس، وهو جوهر وجود هذه المنظمات. كما يعزز من ثقة المجتمع والجهات الداعمة في المنظمة، ويزيد من فرص حصولها على التمويل والدعم المستدام.

إن تطبيق بطاقة الأداء المتوازن في المنظمات غير الهادفة للربح لا يُعد ترفاً إدارياً، بل ضرورة استراتيجية لتوجيه الجهود نحو تحقيق الرسالة المجتمعية بكفاءة وفاعلية. ومن خلال تبني الأبعاد التقليدية الأربعة، وإضافة البُعد الخامس المتعلق بالاستدامة، تصبح البطاقة أداة متكاملة تُمكّن هذه المنظمات من التحول من مجرد منفذين للأنشطة إلى جهات مؤثرة تقيس وتُطور أثرها بشكل مستمر.

وفي عالم يتزايد فيه التركيز على الشفافية والمساءلة والتأثير المجتمعي، تظل بطاقة الأداء المتوازن خياراً ذكياً ومنهجياً لكل منظمة تطمح إلى صناعة التغيير الإيجابي المستدام في المجتمع.

*أكاديمي بحريني

Image Gallery