ظاهرة الظلم المتمثلة في حرمان الموظفين المتميزين من الترقيات أو الحوافز والمكافآت أضحت شائعة وتبعث على القلق وإحساس شديد بالمرارة لا يطاق. أحد موظفي القطاع العام والذين حُرموا من أي نوع من المكافآت طوال سنوات عمله قال بنبرة يشوبها الحزن والألم: ماذا تفعل عندما تشعر أنّ الظلم يعتصرك والقهر يلف كيانك وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً؟ ويضيف والحسرة تملأ قلبه: إنّ جدارتي وتميزي يشهد بهما القاصي والداني.
وأكدّت لمن يهمه الأمر أحقيتي بالمكافأة ورفعت تظلمي.. لكن للأسف لم أجد الرد المقنع. تصوّر حتى عندما أسندت لي مهمة جديدة لم أتردد في القيام بها. قلت له هوّن عليك يا أخي.. إنّ المسألة لا تستحق كل هذا العناء و.. لكنه قاطعني قائلاً: بالله عليك، كيف يظلمون وينامون قريري الأعين؟ قلت له ولماذا لا ترفع تظلماً إذا كنت مقتنعاً بأحقيتك بالمكافأة؟ قال: كان أمامي خياران.. إمّا أن أدافع عن نفسي وأنتزع حقي بالقانون أو ألجأ إلى الخيار الآخر وهو تفويض أمري إلى الله والاستعانة بالدعاء.. وختم حديثه “اللّهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيراً منها”.
القصّة السالفة لا تكشف في حقيقتها سوى عن جانب من رأس جبل الجليد. وليست إلاّ واحدة بين العشرات وربّما المئات من قصص الظلم التي يكتوي بنارها موظفو القطاعين العام والخاص على السواء ممن يتعرضون للتهميش وقتل الدافعية على الإنتاج فضلا عن الإبداع. والحقيقة أنني كنت أتمنى الاحتفاء بمثل هذه النماذج الجادة والمخلصة لكي تواصل العطاء والتميز لكن أمام حالات الإحباط والكآبة ليس أمامنا إلاّ إعلان دهشتنا واستغرابنا.
ثمة سؤال أحمله في داخلي منذ زمن بعيد ومؤداه هو التالي: لماذا صورة موظف الحكومة بأنّه ذاك الكاره لعمله، والمتململ دوما من وظيفته، بل أحياناً المتثاقل في النهوض بواجبه؟ إنّ الصورة في الواقع هي أعقد مما نتصور، فالشكوى من الموظفين بأنهم يميلون إلى التأفف من المراجعين والتسويف في القيام بواجباتهم لا تنقطع. لكن الانصاف يقتضي منا القول إنّ هناك دوافع وراء هذا السلوك وفي مقدمتها التحفيز بنوعيه المادي والمعنوي، وفي غيابهما لا يصح أن نلقي باللائمة على الموظف وحده وإلاّ لوقعنا في حلقة لا نهاية لها من الظلم والتجني.
الحوافز والمكافآت بأنواعها كما جاءت في اللوائح الإدارية تحظى باهتمام بالغ من قبل الهيئات الإدارية بوصفها أحد الدوافع لاستمرارية الموظف في الأداء الفعال. والعلاوات تمنح للموظف نظير جهد متميز أنجزه للارتقاء بعمل المؤسسة أما العمل الاعتيادي مما يؤديه العاملون فإنه يقع ضمن المهام الواجبة وبالتالي فليس من حق هذا الموظف المطالبة بأي مقابل له.
بيد أنّ القضية الأعقد التي نحن بصددها اليوم وهي الشغل الشاغل للعديد من العاملين بالسلكين الحكومي والخاص تتلخص في السؤال التالي: هل تذهب الحوافز والمكافآت لمستحقيها أم انّ عوامل أخرى تتدخل وتحرفها عن أهدافها؟ يتبعه سؤال آخر وهو الأثر الذي يعكسه سوء توزيع الحوافز بشكل موضوعي في الإنتاجية العامة للوزارة؟
الشكوى من أنّ القائمين على الهيئات الحكومية لا يتقيدون باللوائح في منح الحوافز لموظفيهم وأنّها غالبا ما تذهب لمن هم أقلّ إنجازاً وإنتاجية والدليل الذّي يدعمون به أقوالهم هو أنّ عملية التوزيع تتم في سرية تامة وهو خلاف ما تنص عليه الأنظمة من وجوب الإعلان عنها بالتفصيل وإبراز المعايير لمن يرى في نفسه الأحقية للحصول عليها.
جريدة البلاد – العدد ١٩٣٧ – يوم الأحد الموافق ٢ فبراير ٢٠١٤