لأجلكِ تتجدد ذكرى 8 آذار

منى عباس فضل … كاتبة بحرينية
ازدحم بريد كلّ منا الالكتروني في 8 مارس/ آذار، يوم المرأة العالمي، بكمٍّ هائلٍ من رسائل التهاني والتبريكات التي تضغط باتجاه إشعارنا أن المرأة مميّزة ومحترمة ومقدّرة في المجتمعات المعاصرة، لِمَ لا وأغلب وسائل الإعلام وبمختلف أنواعها المقروءة والمرئية في شتى أرجاء الكون تحرص في هذه المناسبة على تناول ما يحلو لها تمجيداً وإجلالاً للمرأة وما حققته من إنجازات ومكتسبات عبر مراحل نضالاتها التاريخية.
تتعدد مضامين تلك الرسائل، فمنها الذي يتطرق إلى تفاصيل أصل المناسبة التي تأسّست في 8 مارس 1857 بتظاهرة عاملات مصانع النسيج الأميركية للمطالبة برفع الأجور وتقليل ساعات العمل، وكيف تجدّدت تظاهراتهن في 1909 لمطالبات أشمل بالحقوق الاقتصاديّة والسياسيّة، إلى أن قررت الاشتراكية الدولية المجتمعة عام 1911 تخصيص يوم عالمي للمرأة أقرّته واعتمدته الأمم المتحدة في 1977، ثم تنطلق الرسائل من ذلك إلى عرض نضالاتها في تجارب الأمم، فتستفيض شرحاً وتحليلاً لتمكينها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، معرّجةً إلى اللامساواة في الحقوق والتشريعات والقوانين واللاعدالة الاجتماعية بسبب ما تتعرض له من ظلم، ويقع عليها من عنف أسري وآخر مجتمعي/ سياسي، وإذلال في الفضاء العام وسط حركة الاحتجاجات والتظاهرات، وفي سجون الاحتلال الصهيوني على سبيل المثال، أو من قبل أنظمة الاستبداد والدكتاتورية حين تقرّر وبملء إرادتها المشاركة في التعبير عن رأيها، وخوض غمار النضال للمطالبة بالحقوق السياسية والمواطنية مثلها مثل الرجل.
بيد إنها تتساوى مع الأخير في نيل حصتها كاملة غير منقوصة من القمع والبطش والتهميش وفقدان فرص العمل والإجبار على الإفقار، أو لكونها أم المناضل/ الشهيد وأخته وزوجته وابنته، فتكون ضحيةً من ضحايا ممارسات الاغتصاب أو التهديد به، والتعذيب والتنكيل وتشويه السمعة والشتم وكل صنوف المعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية.
ازدحام البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي في 8 آذار، كان شعلة إيقاظنا منذ أول النهار في درب الأوجاع والآلام، وبحكاياتٍ لا حصر لها حول ما حققته المرأة من إنجازات على المستوى الشخصي والعملي من إبداعات ونجاحات باهرة في شتى الميادين والمجالات، وبتفوقها وحصولها على المؤهلات العلمية والمهنية وغيرها.
لكنها حين تلج بين جدران منزلها الأربع، تغدو مجرد سيدة ناقصة عقل ودين لا أكثر ولا أقل، كما تقع على كاهلها مسئوليات ضخمة متعدّدة الأدوار، لأن هناك من يفترض أن هذا هو السليم، أو ليست هي الثقافة السائدة والصورة النمطية الشنيعة القابعة في العقل الباطني الجمعي بحكم التنشئة الاجتماعية، ما يجعلها تتلقى أوامر ونواهٍ، وحتى شتائم الآخر، الأب والأخ والابن والشريك، ومتطلباته وصراخه ومزاجه المتقلب كسلوك اعتيادي لا غبار عليه، تكون لا شيء إن تحدّثت بأمر وعبّرت عن رأي مخالف فيكون رأيها لا شيء سوى (حجي نسوان، وخلك عنهم) تماماً كما دائماً يعبّرون؛ أو يقول بعضهم الآخر وبجرأة واثقة بأنها «تحتاج إلى ملزمة وكتاب ضخم كي يفهم الرجل ما يدور في عقلها وما تريد»! فهي العنود والجحود التي لا يرضيها العجب ولا الصيام في رجب، وهي بتمردها تسبب المشاكل والمنغصات، بل وحتى الأزمات وربما ارتفاع درجة حرارة الطقس!
أما لجهة الرساميل المعولمة فهي مجرد أداة للتسليع في وسائل الإعلام والإعلان، وكذا في أسواق المتاجر باللحم البشري حيث تتعرض قوة عملها إلى التلاعب في أسواق العمل التي تكبلها بقيود من العبودية. وبالنسبة للأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية فهي في جانبٍ منها مجرد ديكور تكميلي، بمعنى «منظرة» لزوم العلاقات العامة التجميلية التسويغية للأنظمة، فيتم تطويعها بمغريات المال السياسي وتساهم بنصيبها في الفساد والإفساد، وتكون أداةً يُتلاعب بها هي الأخرى بما يجعلها بوقاً يبث الكذب والإفتراءات وتوصيل رسائل التهديد والوعيد، وهكذا تبرز في أقبح صورها الإنسانية وأسوئها.
حملت كعادتها السنوية رسائل «الواتس آب» وتغريدات «التويتر» القصيرة ذات الدلالات بالمناسبة التهاني والعبارات الإيجابية المحفزة التي تبث الأمل برغم الوجع والألم «كل عام وأنتن بألف خير بعيدكن في 8 آذار عيد المرأة العالمي»، مقرونةً بأشكال زاهية جميلة من زهور دوّار الشمس والياسمين والنرجس والفل والورد الأحمر والبنفسج والمحمدي والمشموم ورسومات بقلوب وردية ومفاتيح حب وغرام وتشكيلات الكعك الملوّن والبسكويت والشموع والبالونات وكؤوس الأنخاب والزمور وصور لمناضلات… لِمَ لا فالمرأة الإنسان تستحق هذا الاحتفاء والتقدير والمحبة، والرجل أيضاً يستحق، لكن السؤال: أي امرأة تلك التي تستحق وأي رجل؟
– بالنسبة لي، هي تلك الإنسانة الجريئة الواثقة صانعة التغيير الحقيقي لا المزيّف، وذاك الذي يشدّ علي يدها، ينصفها ويحترمها ويحبها!
جريدة الوسط – العدد  ٤٢٠٢ – يوم الأثنين الموافق  ١٠  مارس  ٢٠١٤

Image Gallery