لطفي نصر
الحقيقة أن النواب يسعون بكل قوة، وبأي طريقة أو وسيلة إلى تحسين أوضاع الموظفين بالدولة انطلاقا من استيعابهم للأوضاع التي آل إليها الموظفون جميعا.. وأنهم – أي الموظفين- لم يعودوا قادرين وبأي حال من الأحوال على مواجهة تكاليف المعيشة التي أصبحت فوق طاقتهم تلبية لأبسط مطالب ومتطلبات أسرهم.. وخاصة أنه لم تحدث أي زيادة على رواتبهم منذ عام 2011م، عندما وافقت الحكومة آنذاك على إجراء زيادة على رواتب الموظفين العموميين بنسبة 15% .. وإن كان الموظفون أنفسهم يشككون في أن ذلك قد حصل فعلا وبنفس النسبة المشار إليها.. وأن هذه الزيادة قد أكل نصفها قبل أن تصرف!
السادة النواب فشلوا خلال مناقشة الميزانية العامة الأخيرة للدولة في أن يحققوا أي نسبة زيادة للموظفين.. لذا جعلوا كل همهم البحث عن أي طرق أخرى لتحسين أوضاع الموظفين.. ولكن للأسف كل ما يفكرون فيه أو يسعون إليه هو من نوع الحلول السهلة وغير العملية التي يمكن أن تجد لها طريقا نحو الإقناع والاقتناع.. وان معظم هذا الذي يفكرون فيه أو يسعون إليه يرفضه السادة النواب أنفسهم في مهده.. وأقصد أن معظم هذه المشروعات أو المقترحات يتم رفضها من خلال اللجان الدائمة والمختصة داخل مجلس النواب نفسه.
ومن بين هذه المشروعات – على سبيل المثال وليس الحصر- الاقتراح برغبة الذي تقدم به النائب عادل بن عبدالرحمن العسومي.. وهو الذي يطالب ديوان الخدمة المدنية بوضع آلية تسمح للموظفين البحرينيين الخاضعين لأحكام قانون الخدمة المدنية باستبدال رصيد إجازاتهم، والحصول على البدل النقدي كما كان معمولا به من قبل على الصعيد الوظيفي الحكومي.
ويستند النائب العسومي في مشروعه إلى موجة غلاء الأسعار التي – كما يقول- قد غطت البحرين منذ العامين الماضيين، ولا تزال هذه الأزمة طاحنة حتى يومنا هذا ولم ينجُ منها أحدٌ.. رغم المحاولات الكبيرة التي بذلتها الجهات المعنية ممثلة في الحكومة، وفي مجلس النواب والشورى.
ويقول العسومي: الغلاء في البحرين لافت، ولا يحتاج إلى عبقرية، أو عين سحرية، أو كاميرا خفية لاستكشاف وجوده، ويكفي شاهدا على ذلك أن المواطن العادي ذا الدخل المتوسط، ودون المتوسط يئن من وطأة ارتفاع رهيب في الأسعار.. لم يعرفه الموظفون ولم يسمعوا عنه طوال العقود الأربعة الماضية.. لأنه غلاء في كل شيء فيما عدا السلع المدعومة من الدولة.
كل ما قاله النائب العسومي فيه نسبة كبيرة من الصحة.. ولكن أن يطلب أن يتاح بالمطلق الحق لكل الموظفين ان يستبدلوا رصيد إجازاتهم السنوية بالحصول على بدل نقدي عنه في سبيل التنازل عنه للحكومة.. فهذا هو الأمر المبالغ فيه.. والذي لا يمكن للحكومة تنفيذه بأي حال من الأحوال.
تعرفون لماذا؟ لأن جميع الموظفين الممتازين وضعاف المستوى سيتقدمون بطلبات لاستبدال إجازاتهم ببدل نقدي.. أو بمعنى أوضح سيبادرون إلى بيع إجازاتهم على وزاراتهم.. وهذا يحتاج إلى ميزانية إضافية كبيرة تجعل الباب الأول من الميزانية العامة يئن.. إذا تغاضينا عن أنه يئن ويعاني الآن وبشدة!
طبعا نظام الخدمة المدنية الراهن – كما أكد ديوان الخدمة المدنية- لا يسمح باستبدال الإجازة السنوية ببدل نقدي بأي حال من الأحوال كما كان يحدث من قبل.. ويبدو أن الديوان قد لجأ إلى هذا الحظر بعد أن أسيء استخدام النظام السابق الذي كان يسمح.. وبعد أن انخفضت موارد الدخل جراء الأحداث المؤسفة التي حصلت على الساحة منذ عام 2011م.
لذا يبقى أنه من المعقول جدا أن يطبق اقتراح النائب العسومي بشرط ألا يكون مطلقا.. بمعنى أن الموظف الذي يُرفض طلب إجازته السنوية أو يؤجل نظرا إلى حاجة العمل إليه هو وحده الذي يكون له حق الاستبدال.. أما غيره فيحظر عليه هذا الاستبدال بالمرة.
نعود إلى الحديث عن هدف المشرّع من إلزام الموظف بالقيام بإجازته السنوية.. ألا وهو أن ينال القسط المطلوب من الراحة حتى يستطيع أن ينتج.. فمن لا يسترح لا ينتج.. أو أن يجيء انتاجه مهزوزا.. هذا من ناحية.. أما من ناحية أخرى فإنه من السهل على معظم الموظفين أن يتقدموا بطلب للحصول على بدل نقدي لإجازاتهم.. لسبب بسيط جدا وهو أنهم ينالون القسط الضروري من الراحة خلال العمل لأنه يقال إن أنشط موظف لا يعمل أكثر من 25% من وقت العمل.. والباقي وهو الذي يمثل 75% من وقت الدوام تقضى في الراحة أو عمل أي شيء آخر غير العمل – اللهم إلا ما ندر – بمعنى أن هناك قلة قليلة جدا من الموظفين هم الذين يكدون ويكدحون في العمل طوال اليوم ومن دون أي راحة!
وهناك من يعلقون على هذا المشروع بالقول إنه إذا وجد طريقه نحو التنفيذ فإن الموظفين سيبيعون إجازاتهم السنوية باليمين ليعودوا ويحصلوا عليها بالشمال من خلال التمارض وغيره من أساليب التهرب و «التزويغ» من العمل!
ويقول ديوان الخدمة المدنية في رفضه لهذا المشروع: إن اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة تنص على حق الموظف الحكومي الحصول على إجازة سنوية بمقدار 30 يوم عمل سنويا – وهذه ميزة حرموا منها موظف القطاع الخاص – وأن من حقه أن يحتفظ برصيد إجازات قدره (75) يوم عمل.. كما تنص على عدم جواز تأجيل الموظف لحقه في الإجازة السنوية إلا عند الضرورة.. وليس من حقه أن يؤجل إجازته على مدى سنتين متتاليتين.. وأنه عليه ان يتمتع بإجازته ضمانا لتحقيق الراحة الجسمانية والنفسية والبعد عن ضغوط العمل وذلك بعد كل سنة خدمة.
المهم هو أن القانون لا يقر البدل النقدي للموظف مقابل التنازل عن إجازته إلا للموظفين الذين تنتهي خدماتهم.. وهنا نحتاج إلى حل وسط بين مشروع العسومي وقوانين ديوان الخدمة المدنية.. ولا نجد حلا في غير الزيادة الاستثنائية التي وعد بها الموظفون من قبل مرارا وتكرارا.. وعلى فكرة لقد سبق لمجلس النواب رفض هذا المشروع.
جريدة اخبار الخليج – العدد ١٣١٢١ – يوم الأثنين الموافق ٢٤ فبراير ٢٠١٤