لطفي نصر
كان بيان جلسة مجلس الوزراء يوم الأحد الماضي على إيجازه غير المعتاد، زاخر بالكثير من أجل المواطنين.. حيث تميزت قرارات المجلس بالإيجاز النوعي الموجه توجيها مباشرا نحو قضايا شديدة الحيوية والأهمية بالنسبة إلى المواطنين، وإلى الدرجة التي جعلتني أطلق عليها جلسة «الوظائف والتوظيف».. وهل هناك أهم من وضع الخريجين على طريق المستقبل من خلال توظيفهم وإنقاذهم في الوقت المناسب من براثن البطالة.. وتثبيت المؤقتين منهم العاملين في وزارات وهيئات الدولة عبر ما يسمى بالأمن الوظيفي بهدف طمأنة الأسر على مستقبلها، ومستقبل أبنائها.
بحث المجلس في الجلسة نفسها برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء توظيف العاطلين الجامعيين الباحثين عن عمل، وأخذ علما بتوظيف 1199 من أصل 1912 هم مجموع الجامعيين العاطلين.
ولم يقف اهتمام مجلس الوزراء بقضية الجامعيين العاطلين عند حد الإحاطة بحجم المشكلة، أو الاطمئنان على توظيف القدر الأعظم منهم.. بل وجدنا سمو رئيس الوزراء يوجه إلى الإسراع في توظيف المتبقين منهم من دون عمل حتى الآن وقوامهم (576) خريجا وخريجة.
وخلال الجلسة تزايد الاهتمام بالجامعيين إلى ما هو أبعد وأهم من ذلك، عندما أمر سموه بدراسة أوضاع الجامعيين الذين يعملون بعقود عمل مؤقتة في وزارات وهيئات الدولة تمهيدا لتثبيتهم ووضعهم على درجات دائمة ووظائف تتناسب مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم.
وأنا شخصيا أعلم أن سمو رئيس الوزراء شديد الاهتمام بقضية الأمن الوظيفي.. بل ويؤرقه جدا أن يتخرج بحريني ليجد نفسه بلا عمل لائق وثابت رغم مشواره الطويل في تحصيل العلم وسهر الليالي، وتمكينه من إعالة نفسه وتكوين أسر تضع نفسها على طريق الحياة الكريمة.
في مرة.. ومنذ سنوات.. كتبت مقالا عن مشكلة الخريجين العاملين بعقود عمل مؤقتة بالوزارات والهيئات الحكومية.. فوجدت سموه يعقب على ما كتبت قائلا: ليس هناك مبرر أصلا لإبقاء الخريج البحريني على وظيفة مؤقتة لسنوات ،وعلمت بعدها بأن سموه قد أصدر توجيهاته إلى الجهات المختصة ببحث المشكلة والعمل على تثبيت البحرينيين.
والحقيقة أنا ضد هذا التلكؤ في تثبيت الخريجين البحرينيين على وظائف دائمة.. وإخضاع قضيتهم للروتين العقيم.. إلى درجة استمتاع الجهات المسئولة بترك شباب الخريجين فريسة للقلق وعدم الاطمئنان على مستقبلهم لسنوات طويلة.. فما الفرق بين خريج على درجة.. وآخر مؤقت يحصل على الراتب نفسه ويغطى بمظلة التأمين الاجتماعي ويحصل على جميع المزايا الوظيفية الأخرى؟.. هل هناك فرق غير الرغبة في الإذلال، وعشق الروتين العقيم والمهلك والتلاعب بمستقبل الأجيال الجديدة؟!
وقد قرر مجلس الوزراء استمرار العمل في مشروع توظيف العاطلين الجامعيين رغم الظروف الصعبة وغير المواتية التي خلفتها الأحداث المؤسفة التي مرت على البحرين والتي ترتب عليها بالضرورة التأثر السلبي على معدل إنشاء شركات جديدة.. وعدم التوسع في هياكل الوزارات والأجهزة الحكومية.. ورغم ذلك لا تزال الحكومة توظف وتستوعب خريجين جدد، ولا يزال القطاع الخاص يوظف الكثير من الخريجين، وفوق كل ذلك الإبقاء بمعدل البطالة عند ما دون الـ 4%، وهذا في حد ذاته انجاز كبير بالمقارنة بما يحصل.. في كثير من الدول الأخرى.. وكل ذلك يأتي نتيجة الجهود الكبيرة المبذولة في القطاعين العام والخاص.
والحقيقة أن الحكومة لا تفرق في اهتمامها بالمواطنين.. وأن هذا الاهتمام المشهود لا يتجزأ.. حيث تدرك أنه ليس الجامعيين وحدهم هم الذين يحتاجون إلى التوظيف.. بل إن هناك مستويات أخرى في حاجة أمَسّ إلى الوظيفة.. ومن هذا المنطلق وجدنا مجلس الوزراء وفي جلسته الأخيرة نفسها يتابع تنفيذ المبادرات الحكومية لتوظيف المواطنين، ومنها مشروع التوظيف الذي يهدف إلى توظيف عشرة آلاف باحث عن عمل، كما بحث المجلس مشروع تحسين أجور الكوادر الوطنية العاملة في القطاع الخاص.. وهو المشروع الذي يبذل وزير العمل جهودا مستميتة في تعميمه من خلال الجهود الشخصية والذاتية لإقناع أصحاب العمل بضرورة رفع رواتب البحرينيين.. وقد قطع الوزير في هذا الخصوص أشواطاً مهمة إلى درجة أنه قد أصبحت هناك قناعة كاملة لدى المؤسسات والشركات بالقطاع الأهلي بعدم جواز تعيين الجامعي بأقل من (400) دينار شهريا.. كما ارتفعت رواتب بداية التعيين للبحرينيين بالنسبة إلى المؤهلات الأدنى.
وهناك حقيقة مؤكدة مقتضاها أن قضية توظيف المواطنين وتحسين رواتبهم إذا تركت أو أهملت من دون حلول متواصلة ومستمرة فإنها تستفحل وتصبح عصية على الحل بغير قرارات سياسية صعبة.
وهذا هو ما جعل جمال عبدالناصر يتدخل بقرار سياسي لتوظيف جميع الخريجين في أوائل ستينيات القرن الماضي.. وظل متربصا لشبح البطالة وعدم السماح له بأن يطل برأسه من جديد حتى وفاته.. وبعدها تركت البطالة لتستفحل وتتكرس فيما تلاه من عهود إلى درجة أن الدولة قد نفضت يدها تماما عن مسألة توظيف الخريجين أو أي توظيف كان.. وإلى درجة أن الرئيس المعزول محمد مرسي عندما أراد أن يتصدى لمشكلة البطالة المتجذرة في الأرض المصرية.. أعد قوائم من (13) ألف مصري تمهيدا لتوظيفهم.. وسرعان ما اكتشف أن كل من تحمل هذه القوائم أسماؤهم جميعهم من الإخوان المسلمين!!
والقرار السياسي لتوظيف العاطلين في البحرين إذا أظهرت الحاجة إليه في المستقبل فإنه سيكون في غاية السهولة ذلك لأن الأجانب يشغلون 65% من الوظائف على أرض البحرين، ونسبة لا بأس بها منها يتمناها الخريجون والباحثون عن عمل.. وملخص القول إن قرار التوظيف السياسي في البحرين لا يحتاج إلى أكثر من «جرة قلم»!!
جريدة اخبار الخليج – العدد ١٣٠٩٦ – الخميس الموافق ٣٠ يناير ٢٠١٤