المنامة – علي الموسوي
يجلس في «دكّان» لا تتجاوز مساحته مترين مربعين، ينظر تارة إلى أعشابه وأدويته الشعبية، وتارة إلى المارة ومن يُلقون عليه التحية بمجرد مرورهم أمام دكّانه، وتارة أخرى يجيب على استفسارات رواد سوق المنامة (السوق العتيقة) عن علاجات أو أدوية أو أنواع البخور القديمة.
هذه صورته ومنظره في السوق، فمنذ 40 عاماً وعينه وأنفه ويداه تميز الأدوية الشعبية، إما بالرائحة أو الرؤية أو من خلال عجنها وخلطها بيديه، لم يكن تصغير مساحة دكانه يشكل له حالة من التذمر ليترك المهنة التي ورثها من أجداده.
صادق عبدالكريم المخلوق، ذلك العطار أو ما يُعرف بـ «الحواج» الذي وصل عمره إلى 55 عاماً، ورث مهنة «الحْواجَة»، من أجداده، منهم الحاج علي والحاج عبدالله، وبقي محافظاً على هذه المهنة، في دكّان يصل عمره إلى 100 عام، وعلى رغم صغر مساحة دكانه الذي يقع في سوق المنامة، وبين محلات بيع الأعشاب والتتن، فهو يرفض أن يخرج من المنامة، وخصوصاً بعد أن توافرت أسواق أخرى، فيها محلات لبيع الأعشاب والأدوية الشعبية.
الأعشاب سابقة للطب الحديث
العطّار المخلوق، وهو أب لولد وبنت، كلاهما يدرسان في الجامعة، يذكر في لقاء مع «الوسط» أن مهنة الأدوية الشعبية واستخدام الأعشاب لعلاج مختلف الأمراض، موجودة منذ مئات السنين، إذ تُعرف بـ «طب الأئمة»، إذ لم يكن في السابق تتوافر الأدوية «الطب الحديث» التي تستخدم حاليّاً في علاج الأمراض المختلفة، وهي التي تدخل فيها المواد الكيميائية وغيرها من المواد، لم تكن متوافرة قبل اكتشاف الأدوية الشعبية، ولذلك كان الناس يعتمدون عليها لعلاج مختلف الأمراض.
وذكر أن المهنة موجودة منذ أيام لقمان الحكيم «فالأشجار كانت تتحدث معه وتخبره بأنها تصلح لعلاج هذا المرض أو ذاك».
وتُسمى هذه المهنة حديثاً بـ «العطّار»، إلا أن القدامى يسمونها «الحْواجَة»، وهو مسمى مازال دارجاً في الوقت الحاضر، وفق ما ذكر المخلوق، وهو تعلمها بالممارسة عندما كان يرى أباه وأجداده يمارسونها.
يجيب المخلوق عن سؤال عن مصدر الخلطات التي يقومون بها لعلاج أمراض كثيرة، فيقول: «هذه الخلطات موجودة في كتب الطلب اليوناني، وكذلك طب الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، وهذا أمر معروف، وأنا على رغم السنوات الطويلة في هذه المهنة، فإنني مازلت أتابع وأقرأ عن هذا الطب».
لا وصاية على المشككين في الطب الشعبي
يعتقد المخلوق أن كل شخص له رأيه في الطب الشعبي، فبعض يرون الجدوى من استخدامه كعلاج لمختلف الأمراض، إلا أن بعضاً آخر لا يرون في ذلك أية جدوى، وهم يشككون في ذلك، وهذا رأيهم، ولا وصاية عليهم، ولا يمكن لأحد أن يفرض رأيه عليهم، إلا أن التجربة خير برهان.
كما يؤكد أن الطبيب له دور عظيم، والمعدات الطبية التي تكشف الآلام والأمراض لا يمكن تجاهلها، وفي الوقت نفسه، لا يمكن تجاهل الأدوية الشعبية، فكل دواء يكمل الآخر، إلا أن الأدوية الشعبية فائدتها أفضل من الأدوية الكيميائية، والتشخيص الصحيح لأي مرض، يجعل العطار أو الحواج قادراً على أن يقدم الأدوية الشعبية المناسبة للمريض، كما لا يمكن وصف أي دواء دون معرفة الداء، فمهنة الحْواجَة «ذمة»، بحسب وصفه.
الهند وإيران… مصدر الأعشاب
تعد الهند وإيران إضافة إلى الصين، دولاً مصدرة للأعشاب التي يُصنع منها أدوية شعبية، فالكثير من الوصفات والخلطات التي يقوم بها المخلوق لتكون علاجاً لـ: قرحة المعدة، أو تسمى الجرثومة في المعدة، وكذلك علاجاً للحموضة والديسك والمفاصل، والصداع النصفي.
ويجلب المخلوق هذه الأدوية من الدول المذكورة عن طريق دبي، التي أصبحت مركزاً تجاريّاً في الخليج.
أما عن أكثر أنواع الأعشاب أو الأدوية التي يُقبل الناس على شرائها بشكل يومي، فيشير إلى أنها «الزعتر وعلك البان والزعتر والحلوة»، إلا أنه لا يوجد نشاط وبيع في السوق كما كان في السابق، فوزارة الصحة تشدد على العطّارة الإجراءات المطلوبة منهم في تخزين وطريقة بيع الأدوية، بحسب المخلوق، كما أن بعضنهم يجلبون أدوية ممنوعة، وغير مسموح ببيعها في البحرين، وهو الأمر الذي يؤثر سلباً على ممارسي مهنة «الحْواجة».
100 حواج في المنامة
انتشرت الكثير من المحلات التي تبيع الأدوية الشعبية والأعشاب في أماكن مختلفة من البحرين، وهو الأمر الذي أدى إلى «قتل مهنة الحواجَة»، بحسب رأي المخلوق، فكثير من الباعة في هذه المحلات لا يمتلكون خبرة أو دراية بالأعشاب.
ويرى أن انتشار المحلات بصورة عشوائية أفقد المهنة بريقها وسمعتها، وهو أمر يجب أن تلفت إليه الجهات الرسمية، وأن تعيد النظر في التراخيص التي تمنحها لفتح محلات لبيع الأدوية الشعبية.
وفي سوق المنامة فقط، أكثر من 100 حوّاج، ذلك فضلاً عن المحلات الموجودة خارج السوق.
تصوير محمد المخرق
جريدة الوسط – العدد ٤١٩٣ – يوم السبت الموافق ١ مارس ٢٠١٤