منى عباس فضل … كاتبة بحرينية
في إطار ثقافة حقوق الإنسان، لا يستقيم تبني شعارات ومفاهيم وتضمينها بنود الدستور ودعسها جبراً ودون قناعة في صورة قوانين وتشريعات شكلانية، بل وخلق حالة تصورية متضخمة للذات حولها، سعياً وراء إيصال رسالة فحواها بأن هذه الذات هي المدافع الأوحد عن حقوق المرأة في المجتمع، في الوقت الذي يشي واقع الحال بخلاف ذلك. فهذه الشعارات ليست «بروش زينة» يثبت في ياقة البدلات الأنيقة أو شنط اليد وساعاتها ذات الماركات العالمية لزوم حضور المؤتمرات الدولية ورحلات العلاقات العامة التلميعية.
لهذا وذاك، لا غرابة البتة إن جاءت تعليقات بعض قراء «الوسط» بشأن أسئلة لجنة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو» عن انتهاكات حقوق النساء بعد أحداث 2011، وبتندر بالغ التعبير مفاده:
«… تعذيب في السجون وقطع الأرزاق والمواطنات يعملن بمعاشات متدنية في مصانع الحياكة وشركات التنظيف يعملن عاملات يمسحن البلاط وينظفن الحمامات للأجانب ومضطهدات، جامعيات عاطلات عن العمل ويحملن أعلى الشهادات، هذه هي حقوق البحرينيات والانتهاكات وهذا نقطة في بحر… قوم لم يحترموا الشرع الإسلامي كيف سيحترمون «سيداو»؟
«هذه الأمثلة الحية التي تثبت انتهاكات حقوق النساء… أبو إدريس التي فصلت على خلفية الأحداث السياسية لسبعة أشهر، وحينما صدر تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أثبت أن فصلها جاء نتيجة تعبيرها عن رأيها، وأن التقرير أوصى بإعادة جميع الموقوفين والمفصولين على خلفية الأحداث السياسية إلى وضعهم السابق، وأقول: والله شبعنا تقارير وتعهدات ومراجعات ولجأنا لنظام لم ولن يغير أي شي من كل ما حدث وسيبقى المواطن البائس الفقير مدعوس» صح النوم يا سيداو»!
ومع ذلك، حسناً أن وجهت لجنة «سيداو» التابعة للأمم المتحدة، إلى البحرين واحداً وعشرين (21) سؤالاً من بينها أسئلة تتعلق بفصل النساء وانتهاكات حقوقهن بعد أحداث فبراير/ شباط 2011، وذلك قبيل انعقاد اجتماع اللجنة لمناقشة التقرير الدوري الثالث للبحرين في فبراير المقبل، لاسيما واللجنة بينت وجود «تدهور شديد» في حالة حقوق الإنسان عامةً منذ 2011، انعكست آثارها على حقوق المرأة، الأمر الذي جعلها تطالب بتقديم معلومات وبيانات عن تدابير تنفيذ توصيات «لجنة بسيوني»، فضلاً عن خطط تحسين قدرة سلطات إنفاذ القوانين والمؤسسات القضائية الضامنة لحماية النساء والفتيات وتمتعهن بحقوقهن.
أسئلة لجنة «سيداو» متعددة ومتشعبة، وتثير الظنون حول التقرير الرسمي وعمّا إذا استوفى شروط ومعايير إعداد هذا النمط من التقارير من حيث المضمون في مقاربته للواقع لا الشكل، وإلا لما كثرت أسئلة اللجنة بعد تقديم تقريرين سابقين بشأن اتخاذ خطوات تشريعية تحظر التمييز ضد المرأة، ومشروع قانون الجمعيات والمنظمات المدنية المعروض حالياً على البرلمان وعمّا إذ كان يتوافق دستورياً وحسب المعايير الدولية في تأسيس منظمات المجتمع المدني وضمان حرية تكوينها؟ وهل تم التشاور معها في صياغة المشروع أم لا؟
بالطبع مسألة التشاور والتشارك حدّث ولا حرج، والدلالة تكمن في مقابلة نشرتها صحيفة «الوسط» مع رئيسة الاتحاد النسائي في يوليو/ تموز الماضي، وتحديداً بعد إعلان المجلس الأعلى للمرأة أن إعداده التقرير الرسمي «للسيداو» تم بشراكة مجتمعية مع مؤسسات المجتمع المدني، بما فيها الاتحاد النسائي، إذ نفت الرئيسة ذلك قائلةً: «لم نشارك ولسنا أعضاء في فريق الإعداد، وما حدث فقط هو مطالبتنا بالمشاركة في إبداء الملاحظات وترشيح عضوة من طرفنا للمشاركة في لقاء حول التقرير، وبالتالي هذه المشاركة لا تعني أننا شاركنا في إعداد التقرير».
أمّا أبرز الأسئلة المثيرة للجدل والتي على ما يبدو لم يفِ التقرير الرسمي بالإجابة عليها، تلك المتعلقة بآليات الشكاوى القانونية وعدد شكاوى النساء المقدمة إلى المؤسسة الرسمية –أي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان- وأنواع الانتهاكات بحقهن والنتائج. والأهم من هذا وذاك تدابير ضمان استقلال هذه المؤسسة بما يتماشى ومبادئ باريس المتعارف عليها لحماية حقوق الإنسان والمرأة.
وبخصوص الوصول إلى العدالة، طلبت «اللجنة» معلومات عن تدابير وصول المرأة إلى العدالة بفعالية، وضمان حصولها على المساعدة القانونية، بما فيها أماكن الاحتجاز، إضافةً إلى معلومات تبيّن ما إذا كانت الدولة الطرف قد قامت بأي تحقيق أو ملاحقة قضائية تتعلق باستخدام العنف الجنسي كأداةٍ للتعذيب في أعقاب أحداث 2011، وهل ستسمح البحرين للمقرّر الخاص المعني بالتعذيب بزيارة أراضيها؟ وما دور الأمين العام للتظلمات ووحدة التحقيق الخاصة التابعة لوزارة العدل بالتحقيق في ادعاءات الاستخدام المفرط للقوة، وسوء المعاملة والتعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون، ولاسيما ضد النساء من قِبل الشرطة؟
وعليه، لما لا تكثر لجنة «سيداو» من تفحصها وأسئلتها وقد وردتها تقارير لهيئات أهلية محلية وأجنبية أخرى وحالات متضررة، وكذا «تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» التي وقفت على انتهاكات كثيرة بحق المرأة البحرينية أبان الاحتجاجات، منها القتل برصاص الشرطة (بهية العرادي في 21 مارس 2011)، ووفاة عدد من النساء نتيجة استنشاق الغازات السامة، وممارسات مهينة للمرأة أثناء عملية القبض (صفحة 349-351)، حيث طُلب من سيدات المنازل أثناء عمليات القبض الوقوف بملابس النوم، كما لم يُسمح لهن بتغطية أجسادهن، ما سبّب لهن الإحراج والشعور بالمهانة، وتم انتزاع الأطفال من أسرتهم أمام أعين أمهاتهم وسبّب صدمةً نفسيةً للأم والطفل، إلى جانب الاستيلاء على الأموال والحلي والعطور الخاصة بالنساء». والأنكي من ذلك، «التهديد بالاغتصاب» (ص 592) الحالة رقم (85) من التقرير.
وبشأن الاعتقالات، فقد تفاوتت أعداد المعتقلات، وتم بعضها حسب المادة (1373) من التقرير بتجاوزات تميّزت بالإهانة والبعد عن التقاليد والعادات الإسلامية، وبما يعارض المادة (25) من الدستور التي تؤكد على حرمة السكن. وكذلك التوقيف والفصل عن العمل للكثيرات من موظفات القطاع العام والخاص الذي شمل طبيبات ومدرسات وممرضات وموظفات في مختلف القطاعات، إضافةً إلى سحب الجنسية من بحرينية مع أسرتها عقاباً لمواقف أسرتها السياسية ومنع ثلاث طالبات يدرسن الطب في الخارج من مواصلة دراستهن وسحب البعثات التعليمية عن بعض الطالبات. وماذا بعد؟
لا شئ وكل شئ، فقط للتذكير، حقوق النساء جزءٌ لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وعلى من يرفع الشعارات ويعد الدراسات والتقارير ويتصدر المنصات، أن يتعاطى بموضوعية وضمير وإنسانية وحقانية مع حجم الانتهاكات بحق النساء بعد أحداث 2011. ولأجل ذلك يستوجب عليه مغادرة سلوك التعالي واللامبالاة ومواقع التفرج بإنكار ما حدث، فحلّ المعضلة المستعصية بحاجةٍ إلى معالجة ومصالحة وطنية توافقية، ففي الأخير مقاربة أسئلة لجنة «سيداو» وما يحدث واقعاً يمثل معياراً واختباراً لمصداقية الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاقية.
جريدة الوسط – العدد ٤١٥٥ – يوم الاربعاء الموافق ٢٢ يناير ٢٠١٤، الموافق ٢٠ ربيع الأول ١٤٣٥ه