لطفي نصر
مشروع رفع سن التقاعد من الستين إلى الخامسة والستين مطروح منذ فترة ليست بالقليلة.. والهدف من طرحه هو خدمة صناديق التقاعد وحمايتها من الإفلاس، وضمان استمراريتها لعقود طويلة في المستقبل خدمة للأجيال القادمة من خلال تقليل أعداد المحالين إلى التقاعد وحصولهم على معاشات تقاعدية.. وهناك هدف آخر وهو ضمان الانتفاع بالخبرات المعتقة لذوي الخدمات الطويلة، وهذا يؤدي بالضرورة إلى تقليل الاعتماد على أصحاب الخبرات من الأجانب.
كان هذا المشروع مطروحا منذ البداية على أنه مشروع وطني أو قومي بحيث يشمل موظفي الحكومة والقطاع الخاص معا.. ثم رُئي بعد ذلك قصره على موظفي الحكومة.. وترك القطاع الخاص حرا ومرنا في هذه الناحية.. فالمؤسسة التي تريد الإبقاء على الموظف حتى سن الخامسة والستين أو حتى السبعين.. أو بلا سن تقاعدي.. يكون لها حريتها، وهذا هو المعمول حاليا فعلا في البحرين، أي أنه إذا كان المشروع (مشروع مد سن الخدمة) بالنسبة إلى القطاع الحكومي يشكل انفراجة.. فإنه يأتي بالنسبة إلى القطاع الخاص كأداة للتضييق والتقييد.
لهذا كله رُئي في النهاية أن يسري هذا المشروع وهذا التوجه على موظفي الحكومة وحدهم بشرط ألا يكون عاما.. بمعنى أن الجهة الحكومية التي ترى انه من مصلحتها جعل سن التقاعد هو الخامسة والستين بدلا من الستين.. فلتتقدم بمشروعها.. وهذا ما حدث مع مشروع القانون الذي بحثه مجلس النواب في جلسته أمس الأول بالنص على: رفع سن التقاعد لأعضاء هيئة التدريس بجامعة البحرين، ومعهم أيضا المستشارون والموظفون بالجامعة من حملة الدرجات العلمية العليا (الدكتوراه والماجستير).. وقد كشف أصحاب هذا المشروع عن أن هدفهم هو الاستفادة من خبرات ومخصصات سوف يسري عليها هذا القانون عند صدوره بأكبر قدر ممكن، فضلا عن إتاحة المجال لهم لإكمال سنوات الخدمة المطلوبة للحصول على المعاش التقاعدي الكامل (والمعاش الكامل هو 40سنة خدمة.. ومعاش 80% من آخر راتب).. كما أن بعضهم يلتحق بالخدمة في سن متأخرة نظرا لإكمالهم الدراسات العليا.. ولذلك فإن معظمهم عندما يصلون إلى سن التقاعد المقررة حاليا (وهي سن الستين) فإنهم لا يحصلون على المعاش الكامل التقاعدي بسبب عدم إكمالهم الخدمة المطلوبة (40سنة).
وهذا المشروع منظور أمام مجلس النواب منذ فترة.. والحقيقة أن المجلس حائر بين الموافقة عليه.. وبين رفضه رغم أنه ليس عاما بل مقصورا على جامعة البحرين وحدها خوفا من مطالبة الجهات الأخرى بالمثل.. فإن المجلس بعد الموافقة على المشروع قد أرجأه إلى جلسة أخرى للتصويت العام والنهائي.. وكان مقررا لذلك جلسة أمس الأول.. ولكن المجلس قرر سحب هذا المشروع وإعادته إلى اللجنة المختصة لمزيد من البحث والتمحيص قبل اتخاذ قرار نهائي.. وعاد المشروع فعلا وفي نفس الجلسة إلى اللجنة المختصة وهي لجنة الخدمات.. وكل ذلك وسط موجة من التأييد والرفض معا.
فالمؤيدون يرون أن هذا التوجه لدى جامعة البحرين ليس جديدا.. وإنما هو مطبق في جهات أخرى مثل القضاء وأن هذا المشروع يحمل في طياته أهدافا نبيلة، ومنها ما أشرنا إليه من حيث طبيعة الانتساب إلى الجامعة في سن متأخرة بعكس الجهات الوطنية الأخرى.
أما المعارضون فإنهم يرفضون التوجه إلى رفع سن التقاعد.. ويرون الإبقاء على سن الستين سنا موحدة للتقاعد.. على أساس أن هذا التوجه إن صلح بالنسبة لدول أخرى مثل اليابان وألمانيا، حيث الشكوى من نقص في الأيدي العاملة.. فإنه لا يصلح في دولة مثل البحرين التي تُواجَه بأفواج كبيرة من الخريجين في كل عام وكلهم يطلبون عملا.. وقد لا يجدون!!
والحقيقة أن أنصار هذا التوجه الرافض كثيرون ومنهم النائب عيسى الكوهجي وغيره الذين أبدوا آراءهم بوضوح خلال الجلسة.. لذلك فإن التوجه الأغلب هو رفض هذا المشروع رغم أنه خاص ويقتصر على جامعة البحرين وحدها.
الحقيقة أن هذا المشروع، الأساس فيه، هو خدمة الاحتياطي في صناديق التقاعد من خلال تقليل النزف منه من خلال ضبط أعداد المطالبين بتسوية أوضاعهم وحصولهم على معاشات تقاعدية.
لكن بصراحة إذا كان هذا السبب هو الغالب فإنه يميل إلى الرأي الأصوب.. فلا يجوز أن نحل مشكلة محدودة مثل مشكلة الصناديق التقاعدية.. ثم نخلق مشكلة أكبر ربما ينتج عنها إطالة طوابير العاطلين الذين يبحثون عن وظائف وقد لا يجدونها، وهذا هو ما كشف عنه النائب الكوهجي بكل صراحة.. ثم مَن قال إن صناديق التقاعد تعاني؟.. بالعكس فإن الاحتياطي بهذه الصناديق (وهو الذي قارب من الأربعة مليارات دينار) يعد الأفضل بالقياس إلى ما يوجد بصناديق التقاعد في دول أخرى قياساً إلى عدد السكان وأعداد المواطنين.. بل إن هذه الصناديق في الدول الأخرى تسهم في خدمة التنمية من خلال الاستثمارات الناجحة في العديد من المجالات.. بعكس هذا الاحتياطي الحاصل في دولة مثل البحرين فكل ما يفكرون فيه فقط هو حرمان المتقاعدين من هذا الاحتياطي.. أو أن يكون انتفاعهم به هو في أضيق الحدود..
لذلك فان التوجه هو رفض هذا المشروع (رفع سن التقاعد في الحكومة).. على أساس أن كل دولة لها ما تحتاج إليه من دون القياس على ما يجري في دول أخرى مثل اليابان وألمانيا وغيرهما.
جريدة اخبار الخليج – العدد ١٣٠٨٩ – الخميس الموافق ٢٣ يناير ٢٠١٤، الموافق ٢١ ربيع الأول ١٤٣٥ه