برسالةٍ مكوّنةٍ من سطرين، تم إشعار السيدة البحرينية سلمى العصفور بتحويلها من وظيفة «فني أرشيف ومعلومات» بمعهد البحرين للتدريب، إلى «فراشة/ مراسلة» بمدرسة سترة!
الرسالة موقّعةٌ باسم مدير إدارة الموارد البشرية بوزارة التربية، وسلمى التي نشرت «الوسط» مأساتها أمس (الأحد) تزامناً مع الاحتفال بيوم المرأة البحرينية، أمٌ لثلاثة أطفال، وتعاني من إعاقة سمعية. وقد كافحت لإكمال دراستها والتحقت بمعهد التدريب، وبسبب سياسات التوظيف الطائفية في البلد، لم تحصل على فرصتها في العمل، فظلت عاطلةً سبع سنوات، كانت خلالها تراجع وزارة العمل، حتى حصلت على وظيفةٍ بالمعهد، في قسم نظم المعلومات ودعم البرمجيات. وخلال عامين حصلت على ترقية لمثابرتها، وفي العام التالي (2009)، نقلت إلى قسم الأرشيف، حتى جاءها قرار النقل الغريب العجيب!
كانت ضمن مجموعةٍ من الموظفين من فئة مذهبية واحدة، ممن نالهم قرار النقل التعسفي من المعهد، بعدما خضع لعمليات تصفية و«تطهير»، ونقلت الصحيفة حينها تظلماتهم، قبل ثلاثة أشهر. إلا أن حالة سلمى هي الحالة الأكثر غرابةً واستهانةً بحقوق الموظفين من أبناء الوطن. فعلاوة على حالتها الخاصة، تم تحويلها إلى وظيفةٍ متدنيةٍ، يشعر المرء بأن فيها تحقيراً متعمّداً واستهانةً غريبةً بالبشر.
مأساة سلمى يفتح النقاش مع عددٍ من الوزارات المتهمة بالقصور والتقصير معاً: التربية، التنمية الاجتماعية، العمل، إضافة إلى المجلس الأعلى للمرأة الذي يصدر التقارير المخملية عن إنجازات المرأة في يومها الوطني، ويصمت عن مثل هذه المظالم والإهانات.
وزارة التربية متهمة أصلاً بعدم الاهتمام بتعليم فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنذ سنوات تكافح «جمعية الصم البحرينية» لإقناع الوزارة رفع سقف التعليم للصم إلى المرحلة الثانوية بدل الوقوف عند المرحلة الإعدادية. وكم طالبنا في عشرات المقالات، بضرورة هذه الخطوة لأنها تفتح الباب لهذه الفئة لمواصلة تعليمها الجامعي، لتأخذ فرصتها العادلة في الحياة لتحقيق الذات وخدمة الوطن، لكن وزارة التربية لا تسمع ولا تقرأ. وقرار تحويل موظفة «نظم معلومات» إلى «فرّاشة» عارٌ على هذه الوزارة.
حالة سلمى، تدعو وزارة التنمية الاجتماعية للإيفاء بتعهداتها بإرساء حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي التي تعقد الندوات، وتنظم المحاضرات، وتدعو الخبراء الأجانب، للمشاركة في مؤتمرات ذوي الاحتياجات الخاصة. وهي التي تصدّت إلى وضع استراتيجية في هذا الخصوص، استقدمت لها خبيرة عربية عملت في البحرين لمدة عامين تقريباً، حتى إذا انتهت تمت دعوة الجمعيات ذات العلاقة للتصويت عليها. أين موقع تلك الاستراتيجية من تحويل «موظفة معلومات» إلى «فرّاشة»، وما هو موقف وزارة التنمية من هذا القرار العار؟ وكم بقي لها ولجهودها واستراتيجيتها الوطنية من احترام؟
حالة سلمى تثير إشكالاً كبيراً أيضاً على وزارة العمل، هل تحوّلت في طورها الأخير، إلى شاهد زورٍ أبكم، على ما تتعرّض له العمالة الوطنية من انتهاكاتٍ وانتقاصٍ للحقوق، واستفزازاتٍ وإهاناتٍ تمس الشعور الوطني؟
ليست سلمى حالةً فرديةً، (مع أنها لا تطالب الوزارة بأكثر من إرجاعها لعملها السابق، وعدم غلق باب المستقبل أمامها)، بل هي أعدادٌ متزايدةٌ تغطّي مساحةً كبيرةً من خارطة الوطن. فقد شاركتُ بحكم اهتماماتي، في عددٍ من مؤتمرات الإعاقة، وزرت عدداً من المراكز والأندية الخاصة، في عددٍ من دول الخليج، وأجزم بأنها «حالة بحرينية» بامتياز، حيث يرزح المواطن لشعورٍ ممضٍّ بالاستهداف والإقصاء وتعمّد الإيذاء، والمحاربة في الرزق، حتى لو كان من ذوي الاحتياجات الخاصة.
http://www.alwasatnews.com/4104/news/read/834014/1.html#
جريدة الوسط – العدد 4104 الإثنين 2 ديسمبر 2013م الموافق 28 محرم 1435هـ