المرأة… أرقامٌ لا أوهام

قاسم حسين … كاتب بحريني

مع احتفال العالم بيوم المرأة العالمي، في الثامن من مارس، عمدت بعض المؤسسات الحكومية إلى محاولة تقديم صورة زاهية لواقع المرأة البحرينية، لكنها صورة متخيلة وليست نابعة من الواقع المعاش.
المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أكّدت أن البحرين أولت اهتماماً كبيراً بالمرأة، مبشِّرةً بما بلغته «من مكانة مرموقة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية». وهنّأتها بيومها الدولي «تقديراً لدورها الحيوي في بناء الأسرة والمجتمع، وكشريك أساسي في مسيرة الإصلاحات والنهضة التنموية والحضارية». وأشادت بحرص الدولة على «تقديم التقارير الدولية ذات الصلة بوضع المرأة»، كما أشادت أيضاً بـ «نجاح الوفد الرسمي في تقديم تقريره أمام لجنة سيداو»! وهو خطابٌ تقليدي كلاسيكي، وليس فيه جديد.
الجديد الآخر الصادر عن شئون الإعلام، أصرّ على نفي «وجود معتقلات أو محتجزات في البحرين بسبب حقهن في التظاهر أو التعبير السلمي»، وأكّدت «إن المرأة البحرينية حصلت على حقوقها السياسية كاملةً ترشيحاً وانتخاباً، وممارسة حقوقها في التعبير السلمي عن الرأي، وتوليها مناصب إدارية وتنفيذية عليا في مختلف مواقع صنع القرار والمسئولية»، مستعرضةً النسب المئوية للوجود النسائي في أجهزة الدولة والقضاء والبرلمان.
الخطاب مكرّر، يصرّ على نفي الواقع، ويأتي في سياق الاحتفاء بهذه المناسبة الدولية، من باب تسجيل الحضور. فوجود المرأة بهذه النسبة أو تلك، في المرافق الحكومية، لا يعني حصولها – كما الرجل – على حقوقها السياسية والاقتصادية كاملةً، كما أنه لا يصلح حجةً لنفي وجود معتقلات أو سجينات رأي.
مثل هذه القضايا الجدلية الساخنة تحتاج إلى حججٍ حقيقيةٍ لإقناع العالم الخارجي، ببلوغ المرأة المرتبة المرموقة التي تتحدّث عنها الهيئات الحكومية كل عام في مثل هذا اليوم. وليس من المقنع إطلاقاً أن نطرح أقوالاً مرسلة ونتوقع أن يتجاوب معنا العالم الخارجي. فمثل هذا الخطاب الذي ينفي الواقع، لم يستطع خلال ثلاثة أعوام من الأزمة، إقناع الدول التي انتقدتنا أثناء المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان في جنيف. بل إن الدول الـ43 المنتقدة زادت أربع دول أخرى ولم تقل، أفلا يوجب ذلك أن نسأل أنفسنا: لماذا؟
لماذا لم يؤثر خطابنا على أيٍّ من منظمات حقوق الإنسان الدولية؟ ولماذا لم يؤثر على عواصم الدول الصديقة التي ما فتئت تنتقدنا وتطالبنا بالإصلاح الحقيقي والحوار المنتج ذي المعنى؟ ولماذا استمرت التقارير الدولية سلبيةً في تقييمها لأوضاع حقوق الإنسان بما فيها المرأة؟ ولماذا وُوجه الوفد الرسمي بانتقاداتٍ شديدةٍ من لجنة «سيداو» في حين تهنئه المؤسسة الوطنية على ما تعتقد أنه «نجاح باهر»؟
العالم يحترم الأرقام، لا الخطابات الإنشائية، ولذلك يهتز عندما يقف أمام وقائع صادمة، من قبيل فصل 400 مواطنة بحرينية من أعمالهن، بسبب مواقفهن السياسية أو مشاركتهن في مسيرة سلمية؛ كما يهتز حين يقرأ قصص اعتقال عشرات النساء للأسباب ذاتها، وتقديم بعضهن للمحاكمة، وقضاء بعضهن فترة عام أو عامين في السجن.
إن محاولة تسويق أطروحة عدم وجود سجينات أو معتقلات رأي، تنتهي بالفشل لاصطدامها بحقائق دامغة، من قبيل تجربة رئيسة جمعية التمريض البحرينية رولا الصفار، ونائبة رئيس جمعية المعلمين البحرينية جليلة السلمان، إلى جانب عشرات الطبيبات والممرضات والمعلمات والموظفات والإعلاميات والعاملات الكادحات.
إذا أردنا أن يحترمنا ويصدقنا العالم… فعلينا أولاً أن نغيّر هذا الخطاب.
جريدة الوسط – العدد  ٤٢٠٢ – يوم الأثنين الموافق  ١٠  مارس  ٢٠١٤

Image Gallery